دعا المرجع الديني الأعلى للشيعة، سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني - دام ظله- إلى الكف عن "الصراعات والمآسي" والبدء بـ "صفحة جديدة" في العراق.
واعتبر على لسان ممثله في مدينة كربلاء سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، أن الحروب الداخلية في العالم الإسلامي "مدعاة للخجل".
و رأى المتولي الشرعي لحرم الإمام الحسين، أن تتلاقي القلوب قبل تجمع الأجسام، وتتطابق العواطف الصادقة والمشاعر النبيلة قبل ان تتصافح الأيادي وتتعانق الأبدان أمر لابد من تحقيقه.
لكن الكربلائي أبدى سعادته واستبشاره بـ "مجالس مشتركة" ضمت طوائف عراقية مختلفة للاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف.
وفي جانب من خطبته الثانية، من صلاة يوم الجمعة، التي أمّها الكربلائي بحضور حشد كبير من المصلين، قال "إن ما يشهده عالمنا الاسلامي في هذا الوقت من حروب وصراعات مختلفة ازهقت ارواح مئات الالاف من الابرياء وشرّدت الملايين من بلدانهم ودمرت الكثير من المدن وحولتها الى خراب لأمر يدعو الى الخجل".
في الأثناء، أشادت المرجعية العليا بـ "ثبات وعزم" القوات الأمنية والمتطوعين ورجال العشائر على تحقيق النصر الحاسم والنهائي.
وقال الكربلائي في جانب من خطبته، "اذا كان لنا ان نصف رجالا في هذا العصر بانهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه وباعوا انفسهم له عز وجل فقاتلوا في سبيله فمنهم من قُتل ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، فهم هؤلاء المقاتلون".
وأضاف "إنهم يفترشون الرمال في الصحراء القاسية البرودة حاملين ارواحهم على اكفهم ليحفظوا للاسلام اصالته وجوهره وللوطن كرامته وعزته وليصونوا اعراض مواطنيه الغيارى- فهنيئاً لهم هذا التوفيق الالهي والتسديد للسير على خطى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونهج القران الكريم بجهادهم وتضحياتهم وبطولاتهم".
إليكم النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 16/ربيع الاول/1438هـ الموافق 16/12/2016م :
- ونحن نعيش ذكرى ولادة الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وحفيده الامام الصادق (عليه السلام) فلنستضيء بكلمات سيد البلغاء امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) ليرشدنا الى خصال الني المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وشمائله التي بها اصطفاه الله تعالى على جميع خلقه فاختاره سيداً لأنبيائه ورسله وجعله من بينهم حبيباً لنفسه،
قال (عليه السلام) : (فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى، وبَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَى، وسِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُه وشِهَابٌ سَطَعَ نُورُه، وزَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُه، سِيرَتُه الْقَصْدُ ، وسُنَّتُه الرُّشْدُ وكَلَامُه الْفَصْلُ وحُكْمُه الْعَدْلُ؛ أرسلهُ على حينِ فترة من الرُّسُلِ، وهفوة عن العملِ، وغباوة من الاممِ).
ثم يصف امير المؤمنين (عليه السلام) حال الناس قبل بعثته اليهم..
فقال (عليه السلام): (بعَثَه والنَّاسُ ضُلَّالٌ فِي حَيْرَةٍ وحَاطِبُونَ فِي فِتْنَةٍ قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الأَهْوَاءُ واسْتَزَلَّتْهُمُ الْكِبْرِيَاءُ واسْتَخَفَّتْهُمُ الْجَاهِلِيَّةُ الْجَهْلَاءُ حَيَارَى فِي زَلْزَالٍ مِنَ الأَمْرِ وبَلَاءٍ مِنَ الْجَهْلِ فَبَالَغَ صلى الله عليه وآله وسلم فِي النَّصِيحَةِ ومَضَى عَلَى الطَّرِيقَةِ ودَعَا إِلَى الْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ).
فوصف (عليه السلام) ما كان سبباً في ضياع وتخبط الناس قبل البعثة النبوية من تفشي الجهل وغلبة الاهواء والشهوات واطماع اصحاب الرئاسة والزعامة والتخبط في الفتن والحروب والصراعات الناشئة من عوامل الشر الكامنة في النفس الانسانية وما افرزته عوامل التكبر والغرور والعجب لدى المستكبرين وقد قابل تلك الاوضاع والظروف المعقدة بما يحمله من نفس رحيمة وقلب عطوف وارادة للخير لمجتمعه وبذل كل ما بوسعه من نصيحة وتعليم للناس ودعوة الى الطريقة الالهية باسلوب عقلائي بالحكمة والموعظة الحسنة والاحترام للاخرين وان كانوا على جهل وضلال يتعامل معهم كالاب الحنون سائلا ً الله تعالى لهم الهداية والمغفرة والرحمة.
فكانت ثمار هذه الدعوة الحسنة وهذا الاسلوب الحكيم ما قاله امير المؤمنين (عليه السلام) في مقطع آخر : (قَدْ صُرِفَتْ نَحْوَهُ أَفْئِدَةُ الاَْبْرَارِ، وَثُنِيَتْ إِلَيْهِ أَزِمَّةُ الاَْبْصَارِ، دَفَنَ [اللهُ ]بِهِ الضَّغَائِنَ وَأَطْفَأَ بِهِ الثَّوَائِرَ وأَلَّفَ بِهِ إِخْوَاناً، وَفَرَّقَ بِهِ أَقْرَاناً، أَعَزَّ بِهِ الذِّلَّةَ، وَأَذَلَّ بِهِ الْعِزَّةَ).
فقد استطاع بحكمته موعظته الحسنة وخلقه وادبه الذي استقطب القلوب وخطف الابصار والافئدة وشدها اليه ان يصرف تلك الافئدة نحو منهجه الالهي وتميل اليه النفوس فتنقاد له ولأوامره طواعية ومحبة واجلالا.
واستطاع بأدبه وتواضعه وشفقته ورحمته وما ايده الله تعالى به من حكمة وعلوم ربانية ان يطفئ نار الفتن والعداوات ويرفع به الضغائن والاحقاد من القلوب..
2- في هذه الايام السعيدة بذكرى ولادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تواصل قواتنا الامنية بمختلف صنوفها ومن يساندها من المتطوعين الابطال ورجال العشائر الغيارى تحقيق ملاحم المجد والكرامة والعز في جبهات القتال مع الارهابيين الدواعش وما ذلك الا بفضل صمود هذه القوات البطلة وثباتها وعزمها على تحقيق النصر الحاسم والنهائي – واذا كان لنا ان نصف رجالا في هذا العصر بانهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه وباعوا انفسهم له عزوجل فقاتلوا في سبيله فمنهم من قُتل ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا،
فهم هؤلاء المقاتلون الذين يفترشون الرمال في الصحراء القاسية البرودة حاملين ارواحهم على اكفهم ليحفظوا للاسلام اصالته وجوهره وللوطن كرامته وعزته وليصونوا اعراض مواطنيه الغيارى- فهنيئاً لهم هذا التوفيق الالهي والتسديد للسير على خطى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونهج القران الكريم بجهادهم وتضحياتهم وبطولاتهم.
3- ان مقتضى صدق الانتماء للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والاحياء الحقيقي لمناسبة ميلاده المبارك هو ان نحييها ونقيمها في قلوبنا قبل ان نحييها ونقيمها في مجالسنا ونستذكر خصاله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الرحمة والعطف والشفقة في نفوسنا قبل ان نذكرها بألسنتنا واقلامنا.
وقد سعدنا واستبشرنا خيرا بما رأينا من مجالس مشتركة من مختلف الطوائف في مناطق متعددة في العراق للاحتفال بهذه المناسبة السعيدة، ولكن أملنا ورجائنا ان تتلاقى القلوب قبل ان تجتمع الاجسام، وتتطابق العواطف الصادقة والمشاعر النبيلة قبل ان تتصافح الايادي وتتعانق الابدان.
وكفانا في العراق – هذا البلد الكبير والغني بتراثه الفكري والحضاري والذي كان ارضاً للعديد من الرسالات السماوية- ما عشناه من صراعات ومآسي،
ولنبدأ صفحة جديدة نأخذ فيها بهدي النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) يكون ملؤها المحبة والسلام يحترم بعضنا البعض الاخر ويفي له بحقوقه ويراعي مقتضيات التعايش السلمي معه ويبتعد عن الحقد والبغضاء والكراهية.
ان ما يشهده عالمنا الاسلامي في هذا الوقت من حروب وصراعات مختلفة ازهقت ارواح مئات الالاف من الابرياء وشرّدت الملايين من بلدانهم ودمرت الكثير من المدن وحولتها الى خراب لأمر يدعو الى الخجل لا الى الحزن والاسى فقط، الخجل من الله ومن رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن انسانيتنا ان بلغ الحال بهذه الامة الى هذا المستوى الفظيع يقاتل بعضهم بعضاً ويكفر بعضهم بعضاً وتمتلئ قلوبهم حقداً وكراهية تجاه الاخر ولا يتوانون عن اراقة الدماء البريئة لأتفه الاسباب،
حقاً انه امر يدعو الى الخجل ما آل اليه حال عالمنا الاسلامي حيث تنهكه الصراعات المختلفة وتستنزف موارده الحروب العبثية وصار حاضره ومستقبله مما تتحكم به مصالح واطماع الاخرين،
وبعد ان كان مصدراً للرحمة والخير والازدهار لشعوب العالم اصبح تطحنه صراعات الاستعلاء والطمع والممارسات الوحشية التي قلّ مثيلها. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
اللهم امنا من الفتنة ونجنا من المحن ولا تجعل لمبتغي السوء علينا سبيلا، واعمر بالايمان قلوبنا واشرح بالتقوى صدورنا انك رحيم بمن دعاك مستجيب لمن ناداك وانت على كل شيء قدير..
تحرير: غرفة الأخبار
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق