على مقربة من مدينة "الحلة" مركز محافظة بابل، وتحديداً في منطقة تدعى "الهاشميات" يقصد الموالون مرقداً للزيارة والدعاء وطلب البركة، إذ يرقد فيه القاسم بن موسى بن جعفر الكاظم عليهم السلام.
يبتهل هناك على مدار العام الملايين من الشيعة، يتقربون إلى الله، ويدعونه لقضاء حوائجهم ببركة "القاسم بن موسى الكاظم" عليهم السلام، ويزداد يقينهم بضرورة زيارة مرقده بناءً على الرواية المشهورة عن أخيه الإمام الرضا عليه السلام، إذ يقول: "من لم يزرني فليزر أخي القاسم".
وعلى الرغم من أن باحثين أكدوا على عدم وقوفهم على أي مصدر لهذه الرواية، غير أنهم يؤكدون أيضا أنه حديث مستفيض حتى نظمه بعض الشعراء ومنهم السيد علي بن يحيى بن حديد الحسيني من أعلام القرن الحادي عشر.
"لو كان الأمر لي لجعلته للقاسم"
يذكر مؤرخون أن القاسم بن الإمام الكاظم، كان سيداً جليل القدر، وكان يحبه أبوه ويرأف به كثيراً، للدرجة التي جعلت منه مرشحاً أن يكون خلفاً له، لكن أمر الإمامة "نص إلهي" فكانت الإمامة من نصيب الإمام الرضا عليه السلام بالنص.
ويقول في ذلك الإمام الكاظم عليه السلام: "ولو كان الأمر إلي، لجعلته في القاسم ابني، لحبي إياه ورأفتي عليه. ولكن ذلك إلى الله عز وجل يجعله حيث يشاء" وهذا ما أورده الشيخ الكليني رحمه الله في كتابه "الكافي".
كما يشير السيد الخوئي رحمه الله في كتابه "معجم رجال الحديث" إلى أن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام جعل ولده القاسم متوليا على صدقته بعد وفاة علي أو إبراهيم.
كيف وصل القاسم إلى الحلة؟
ويروي الشيخ محمد مهدي الحائري في كتابه " شجرة طوبى" في الجزء الأول، أنه لما اشتد غضب الرشيد جعل يقطع الأيدي من أولاد فاطمة عليها السلام، ويسمل في الأعين وبنى في الأسطوانات حتى شردهم في البلدان.
وكان ذلك ضمن الحملة الممنهجة التي شنتها الدولة العباسية على الهاشميين لإبادتهم والتخلص منهم بأي طريقة، ومن جملتهم "القاسم ابن الإمام موسى بن جعفر"، الذي أخذ جانب الشرق -بحسب مؤرخين- لعلمه إن هناك جده أمير المؤمنين، وجعل يتمشى على شاطئ الفرات، وإذا ببنتين تلعبان في التراب.. أحديهما تقول للأخرى:
- لا وحق الأمير صاحب بيعة يوم الغدير، ما كان الامر كذا وكذا، وتعتذر من الأخرى.
فلما رأى عذوبة منطقها قال لها:
- من تعنين بهذا الكلام؟
- قالت: أعني الضارب بالسيفين والطاعن بالرمحين أبا الحسن والحسين علي بن أبي طالب عليه السلام.
- قال لها: يا بنية هل لك أن ترشديني إلى رئيس هذا الحي؟
- قالت: نعم إن أبي كبيرهم.
فمشت ومشي القاسم خلفها حتى أتت إلى بيتهم، فبقي القاسم ثلاثة أيام بعز واحترام.
"القاسم يعمل سقاءً"
وتفيد المصادر التاريخية أنه "لما كان اليوم الرابع دنى القاسم من الشيخ -الذي كان القاسم في ضيافته- وقال له: يا شيخ أنا سمعت ممن سمع من رسول الله أن الضيف ثلاثة، وما زاد على ذلك يأكل صدقة، وأني أكره أن آكل الصدقة، وأني أريد أن تختار لي عملا أشتغل فيه لئلا يكون ما آكله صدقة.
- فقال الشيخ: أختر لك عملا.
- فقال له القاسم: اجعلني أسقي الماء في مجلسك.
فبقي القاسم على هذا الحال في سقاية الماء، إلى إن كانت ذات ليله خرج الشيخ في منتصف الليل في قضاء حاجة له، فرأى القاسم صافاً قدميه ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد، فعظم في نفسه وجعل الله محبة القاسم في قلب الشيخ.
"زواج القاسم"
فلما أصبح الصباح جمع الشيخ عشيرته وقال لهم: أريد أن أزوج ابنتي من هذا العبد الصالح فما تقولون؟
- قالوا نعم ما رأيت.
فزوجه من أبنته فبقي القاسم عندهم مدة حتى رزقه الله منها ابنة وصار لها من العمر ثلاث سنين.
الشيخ يكتشف نسب القاسم!
وورد في بعض الكتب، أن القاسم مرض مرضا شديداً حتى دنى أجله وتصرمت أيامه، فجلس الشيخ عند رأسه يسأله عن نسبه وقال: ولدي لعلك هاشمي.
قال: نعم أنا ابن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام!
عند ذلك لطم الشيخ رأسه وراح يقول: وا حيائي من أبيك موسى بن جعفر.
فقال له القاسم: لا بأس عليك يا عم إنك أكرمتني وإنك معنا في الجنة.
"الوصية"
ثم راح القاسم يوصي الشيخ قائلا: يا عم فإذا أنا مت فغسلني وحنطني وكفني وادفني، وإذا صار وقت الموسم حج أنت وابنتك وابنتي هذه، فإذا فرغت من مناسك الحج أجعل طريقك على المدينة، فإذا أتيت المدينة أنزل ابنتي على بابها فستدرج وتمشي فامش أنت وزوجتي خلفها حتى تقف على باب دار عالية، فتلك الدار دارنا، فتدخل البيت وليس فيها إلا نساء وكلهن أرامل.
ثم قضى نحبه فغسله وحنطه وكفنه ودفنه، فلما صار وقت الحج حج هو وأبنته وابنة القاسم فلما قضوا مناسكهم جعلوا طريقهم على المدينة.
"أم القاسم تنعى ولدها"
وصلوا إلى المدينة، أنزلوا البنت عند بابها على الأرض، كما أوصاهم القاسم قبل وفاته، فجعلت تدرج والشيخ يمشي خلفها إلى أن وصلت إلى باب الدار، عند ذلك خرجن النساء إليها واجتمعن حولها وقلن من تكونين ؟ وابنة من؟
للإجابة، تكتفي ابنة القاسم بالبكاء والنحيب، فعند ذلك خرجت أم القاسم فلما نظرت إلى شمائلها جعلت تبكي وتنادي: وا ولداه.. وا قاسماه، والله هذه يتيمة ولدي القاسم، فقلن لها من أين تعرفينها إنها ابنة القاسم؟ قالت: نظرت إلى شمائلها لأنها تشبه شمائل ولدي القاسم ثم أخبرتهم البنت بوقوف جدها وأمها على الباب.
حسين الخشيمي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق