قراءة شيء يسير عن يوميات فاطمة (عليها السلام) يجعلك تتمنى لو أن حياتك شابهت ولو جزءً يسيراً منها حياة تلك الصديقة الطاهرة على قصر سنيّها، وكأن الحروف والكلمات تسطر بطولات لرجل عظيم لا لمرأة ضعيفة - ظاهراً - حملت الكثير من الهموم والمآسي والمصائب، وتصدت لأكبر التحديات، لقد كانت خير باعثٍ يلهم النبي (صلى الله عليه وآله) حتى قال عنها أنها "أم أبيها" ومن بعده علياً (عليها السلام) الذي طالما كانت له خير عون وسند.
لقد ضاق صدر علي لفقدها فراح ينادي: "يا زينب يا حسن، يا حسين، هلموا تزودوا من امكم فهذا الفراق واللقاء في الجنة".. كان نداءً حزيناً على جسدها المسجى، لكنه نداءً مفعماً باليقين والرضا، فعليٌ (عليها السلام) يجزم بلقاء يجمعهم معاً في الجنة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهنا يكمن الفرق بين يقين علي والزهراء بالحياة الأخرى الأبدية، وبين أعدائهما الذين آثروا الدنيا على الآخرة، فكانت النتيجة اغتصاب الحقوق، وارتكاب الجرائم بتصفيتهما جسدياً، وكانت البداية مع فاطمة (عليها السلام)!
لسنا هنا بصدد الحديث عن "السيناريو المفجع" لنهاية حياة الزهراء (عليها السلام) وما صاحبه من تداعيات كان لها الأثر الكبير في تفريق صفوف المسلمين وزرع الحقد بينهم، فرحيلها في تلك الحقبة الزمنية كان خطيراً، وكان من الصعب جداً على الأمة أن تستوعب فقد النبي وبضعته في عام واحد.. هل نقمتنا السماء؟! فسلبتنا الحبل المدود بيننا وبين الله؟!! هكذا يبدو لسان حالهم بعد رحيل الوديعة. بعيداً عن هذا الحديث، نحن بحاجة اليوم إلى تسليط الضوء على اختلاف مشهور في تاريخ شهادتها (عليها السلام) وتعدد الروايات والأقوال في تحديده، لكن لماذا؟!
لماذا نبحث عن تاريخ محدد لشهادتها؟
يرى الباحث في الفكر الإسلامي الشيخ علي اللامي أن معرفة توقيت شهادة الزهراء (عليها السلام) بشكل دقيق يسهم في بمعرفة محطات حياتها بشكل أوسع وأشمل وهو أمر مهم للغاية.
وقال في تصريح خص به الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة إن "حياة الزهراء (عليها السلام) كانت قصيرة في سنيّها لكنها كانت كبيرة تسع هذه الحياة بكل رحابتها".
وأضاف أن "الانفتاح على سيرة الزهراء والوقوف على ذكرى شهادتها؛ إنما هو وقوف على جزء من حركة الرسالة، وجزء مهم استطاعت من خلاله الزهراء (عليها السلام) أن ترسخ فيه الكثير من القيم الإسلامية على المستوى السياسي فيما قدمته من تأصيل لحق الإنسان في المعارضة ضد النظام السياسي، الذي قد لا ينسجم مع خط ومنهج هذا الإنسان، وكذلك على كل المستويات الأخرى التربوية والاجتماعية والفكرية والثقافية ".
ورأى اللامي أن البحث عن تاريخ محدد لشهاداتها يمثل تثبيتا للتاريخ من جهة واهتماماً به من جهة أخرى.
وقال إن "التاريخ ليس أحداثا مرت في زمن مضى وإنما يشكل شخصية الإنسان المسلم الذي تجسدت فيه كل انطلاق الرسالة وحركتها ونجاحها واخفاقاتها".
وأكد أن "تدوين هذا التاريخ وضبطه بشكل صحيح هو واحدة من الامور المهمة التي تساهم في قرأته بشكل صحيح والاستفادة منه بشكل كامل".
الروايات الثلاث
تشير المصادر التاريخية إلى وجود ثلاثة روايات شهيرة تحدد تاريخ استشهاد الزهراء (عليها السلام)، هذه الروايات هي الأقرب للواقع من أصل عشرات الروايات الأقوال الأخرى، لكنها أيضا لا تمثل الحقيقة بعينها.
وتنص الرواية الأولى على أنَّ استشهادها (عليها السلام) كان في الثامن من شهر ربيع الثاني، وبذلك تكون الزهراء (عليها السلام) قد عاشت بعد ابيها اربعين يوماً، وهو ما نقله المسعودي في مروج الذهب.
أما الرواية الثانية فتنص على أنها استشهدت في الثالث عشر من جمادي الاول، وعليه فإنها عاشت بعد النبي (صلى الله عليه وآله) خمساً وسبعين يوماً، وهو ما رواه الكليني في الكافي، والشيخ المفيد في الاختصاص وابن شهر آشوب في المناقب، عن الامام الصادق (عليها السلام): "أنها عاشت بعد أبيها 75 يوما".
فيما تنص الرواية الثالثة على أنَّ استشهادها (عليها السلام) كانت في الثالث من جمادي الثاني وبناءً على ذلك تكون الزهراء (عليها السلام) قد بقيت بعد ابيها خمساً وتسعين يوماً.
لماذا هذا الاختلاف في تحديد اليوم؟
ويرى باحثون ومفكرون أن صعوبة تحديد التاريخ يأتي من الروايات المتعددة والمختلفة في توقيت شهادة الزهراء (عليها السلام)، ويعود ذلك إلى اختلاف نسخ الروايات إذ كان من الصعب جداً ضبط التواريخ أو توثيقها كما يحدث اليوم في عصرنا.
إلى ذلك أكد آخرون أن "التواريخ كلها كانت في تلك الازمنة من المسموعات ولم تكن تدون اوّلاً بأوّل الا نادرا"، ومن الطبيعي جداً أن تتعرض هذه المسموعات إلى النسيان مع مرور الأزمان واختلافها.
كما يشير باحثون إلى أن حركة التدوين جاءت متأخرة في التاريخ الاسلامي، وأن شهادة الزهراء (عليها السلام) حدثت في الصدر الاول من التاريخ الإسلامي قبل ضهور حركة التدوين التي يعتقد أنها ظهرت اعتباراً من القرن الثاني.
فيما يرى البعض أن تدوين التواريخ وإن وجد في تلك الفترة الزمنية؛ فإنه كان يدوّن على صحف قديمة ووسائل تقليدية وبسيطة لا كما هو موجود اليوم, فتعرض الكثير منها للزوال من المؤثرات والعوارض الخارجية كتعرضها للماء أو أشعة الشمس.
تكتم إعلامي ضد ممارسات ميليشيات قرشية!
بينما ينظر الكاتب والباحث الإسلامي الشيخ عقيل الحمداني لهذا الاختلاف من زاوية مختلفة، إذ أكد الحمداني في تصريح خص به الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة أن التكتم الإعلامي على جرائم ما وصفه بـ "التحالفات القرشية" وراء اختلاف الروايات في تحديد يوم استشهاد الزهراء (عليها السلام).
وقال إن "منشأ الاختلاف في روايات شهادة الزهراء (عليها السلام) ناظر الى الاحداث التي رافقت شهادة النبي (صلى الله عليه وآله) والتي عند اعادة كتابة سيناريو تاريخي لها نرى أنها تترافق مع اخر لحظات شهادة النبي".
وأضاف الحمداني أن "هجوم جيش الانقلابيين على المدينة بأكثر من ثلاثة الاف مقاتل، وفرضهم حظر تجوال على المدنيين، والهجوم على دور الانصار واتهامهم بمقولة منا امير ومنكم امير، مع اعتراف الثاني أن الانصار كلهم بايعوا علي (عليها السلام) وكانوا معه، ولما كان جسد النبي (صلى الله عليه وآله) مسجى في بيت فاطمة (عليها السلام) هجمت ميليشيات قريش على بيت فاطمة واسقطوا جنينها، فبقيت المدة مبهمة في مرضها حتى شهادتها فاختلفت الروايات في ذلك تبعا للتكتم الاعلامي ضد ممارسات التحالف القرشي".
و رأى أن اختلاف الروايات في شهادة الزهراء (عليها السلام) يشبه كثيراً حكمة إخفاء قبرها الشريف لدوام ذكرها وتعريف الناس بظلامتها حسب الروايات الثلاث التي تعقد فيها المآتم التي تبين مظلوميتها وما جرى عليها من آلام ومحن.
حسين الخشيمي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق