على الرغم من اعتماد داعش لوسائل إعلامية متاحة للجميع، إلا أنه استطاع أن يحقق نجاحاً واضحاً بعد توظيفها لصالح منهجه الدموي من خلال استقطاب محترفين في مجال الانتاج الإعلامي، ليتردد على ألسن الكثيرين بعد فترة وجيزة من ظهور اصدارات داعش الإعلامية؛ أن "التنظيم" يتمدد حقاً، لكنه يتمدد إعلامياً وليس أكثر.
لكن الملفت للنظر أن "داعش" بعد مضي أشهر من عام 2015 بدأ يشهد تراجعاً واضحاً وكبيراً على مستوى الإصدارات الإعلامية، وهذا ما أشارت له أيضا دراسات مختلفة جاءت تحت عنوان "تراجع كمي ونوعي لإصدارات داعش الإعلامية" بعد أن كثفت في عام 2014 إصداراتها المرئية التي كانت تنتجها بحرفية عالية، وهو ما يدعونا لتسليط الضوء على جانب من حركة "داعش" الإعلامية والعقول المديرة والمنتجة للاستراتيجيات المعتمدة لديها، وطرق التواصل بين عناصر التنظيم.
آلاف الحسابات على تويتر
تفيد دراسات أن "داعش" يمتلك حتى ديسمبر من العام الماضي ما لا يقل عن 46 ألف حساب على موقع تويتر، نسبة كبيرة جدا منها ناطقة بالعربية، و20 في المائة من هذه الحسابات بالإنجليزية، و6 في المائة بالفرنسية.
وبحسب معهد "بروكينغز" في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فإن هذه الحسابات يتابعها الآلف من المشتركين رغم حجب الآلف من تلك الحسابات في عام 2014.
وكان موقع تويتر قد أغلق أكثر من ألفي حساب يعود لـ "داعش" ومناصريه، فيما أعلنت شركة تويتر عن تسليم "السعودية" معلومات عن أكثر من 65 مستخدماً مطلوباً لديها.
ورصدت مواقع إلكترونية مختصة بمتابعة النشاط الإعلامي والدعائي لداعش عبر الإنترنت أن نحو 49 ألف تغريدة تنشر يومياً قالت عنها أنها "تتصف بالإرهاب والعنف".
وبحسب تلك المواقع فإن التنظيمات الإرهابية ومنها داعش تبث 170 تغريدة كل 5 دقائق.
وأكدت في تصريحات تابعها الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة أن 40 % من التغريدات الإرهابية كانت لداعش، و60 % تتبع لبقية التنظيمات الإرهابية الأخرى.
من "تويتر" إلى "الألعاب الإلكترونية"!
لكن نشاط داعش الإلكتروني والدعائي لم يتوقف عند حد "تويتر" أو بقية مواقع التواصل الاجتماعي المتوفرة، بل اعتمد اساليب وحيل مختلفة للتواصل فيما بينهم ولاستقطاب اكبر عدد ممكن من الشباب لتجنيدهم ضمن صفوف مسلحي "داعش".
إلى ذلك أكد خبراء أمنيون استخدام "داعش" لشبكات الألعاب الإلكترونية للتواصل فيما بينهم بعد الانضمام إلى معركة إلكترونية افتراضية في إحدى الألعاب ويقومون بالتخطيط والتواصل عبر تلك الألعاب بعيدا عن أعين المراقبين.
وبحسب الخبراء فإن "سيرفرات" أو خوادم تلك الألعاب موزعة في جميع أنحاء العالم ويسهل التنقل بينها وتصعب مراقبتها على أي جهة أمنية وهو ما يضمن لداعش جلب المزيد من المقاتلين ضمن صفوفها دون الكشف عنها بسهولة كما في مواقع التواصل الاجتماعي او الوسائل التقليدية الأخرى المستخدمة للتواصل.
ويرى محللون أن المنظمات الإرهابية لا تفضل استخدام التواصل الرقمي نظرا لسهولة تعقبه ومعرفة مصدره وإمكانية استخدامه دليلا ضدهم أو للتعرف على أماكن وجودهم.
وتبتعد المنظمات الإرهابية أيضاً عن استخدام الاتصالات المباشرة من خلال هواتف الأقمار الصناعية نظرا لقدرة الحكومات على فك تشفيرها خصوصاً عند الاتصال من مناطق نائية.
وبحسب شركة الأمن الإلكتروني ZeroFOX يبدو أن لدى داعش الكثير من الحيل الأخرى حيث قامت الجماعة الإرهابية بصنع حملة دعائية مركبة باستعمال العديد من شبكات الاتصال الاجتماعي مثل الفيسبوك، تويتر، يوتيوب والواتس آب مستعينة بخبراء في التسويق، والعلاقات العامة، والإنتاج الإعلامي لضمان ظهور رسالتهم بصورة تتقبلها الشرائح المستهدفة في تلك المواقع أو الشبكات.
استراتيجية داعش "الإرعاب" و "الإبهار"
وتعتمد استراتيجيّة تنظيم "داعش" الدعائيّة على عنصري "الإرعاب" و "الإبهار" بحسب مختصين.
وقال خبراء مختصين بالإعلام الإلكتروني للجماعات الإرهابية في تصريحات تابعها الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة إن "في مجال الإرعاب توسع التنظيم في البحث عن الأقوال الشاذة في ذبح المخالف أو إحراقه واعتمدوا ذلك منهجا".
ولكن هذا لم يمنع عناصر التنظيم الإرهابي من التوسع في الاجتهاد بالسحل، والتعذيب، وإلقاء المناوئين في قيعان الأودية وهم معصوبو الأعين أو إطلاق النار عليهم وهم في سياراتهم أو يمارسون أعمالهم في المزارع أو رعي الأغنام بوصفهم من أهل الردّة.
فيما رأوا أن عنصر الإبهار الفني يعتمده داعش بعرضه أفلاماً لعملياته المحاكية لخدع وحيل هوليوود السنيمائيّة.
ويرجع هؤلاء الخبراء السبب في ذلك أن معظم عناصر التنظيم لم يتخرجوا من مدارس شرعيّة تؤصل أعمالهم وتهذّب سلوكهم وتصرفاتهم، وإنما خرجوا من تأثريات أفلام الأكشن وألعاب البلاي ستيشن والفيديو التي تمكن المحارب من قتل أعدائه وإفناء المدن والجيوش بنقرات الأزرار ومن ثم تسلق الجبل لإعلان انتصاره.
عقول مأجورة تعمل لحساب داعش
لكن السؤال المثار حالياً، هو كيف يستطيع تنظيم "داعش" ترتيب اللعبة الإعلامية بهذه الطريقة ليسجل حضوراً بات واضحاً عبر انضمام المئات من الشباب للتنظيم؟
تؤكد المؤشرات والدلائل أنَّ هناك عقولا مأجورة تعمل لحساب "داعش" وتبث أخباره وتحركاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتدير العملية ربما بحرفية عالية.
ويؤكد ذلك استعانة التنظيم الإرهابي في العراق بضباط الجيش العراقي السابق ووضعهم في مواقع قيادية من هيكلية التنظيم لإدارة الحرب بشكل ضمن تحقيق نتائج لصالح داعش على أرض الواقع.
أيضا هناك جملة من الأبواق "الغبية" التي أسهمت دون قصد ربما بالترويج لداعش من خلال إعادة تغريداته في تويتر أو نقل المعلومات عنه بشكل غير مباشر، أو حتى نشر مقاطعه الفيديوية الدموية باستمرار على مواقع التواصل الاجتماعي.
كلمتان أنهتا مشروع داعش "المجنون" في العراق
في العراق على وجه التحديد، فشلت ماكنة داعش الإعلامية المبهرة بـ "جرة قلم" كما يُعبّر، بعد أن أصدرت المرجعية العليا في النجف الأشرف فتوى "الجهات الكفائي" لقد أجهضت هاتين الكلمتين أخطر مشاريع الدمار التي شهدها العراق عبر تاريخه. كان على عقول "داعش" المأجورة ألا تجازف بهذه الطريقة "المجنونة" في العراق، لأن تاريخ الشعب العراقي معروف بطاعته المطلقة لمراجعه، فكانت النتائج محزنة دائماً لأعداه.
حسين الخشيمي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق