حقيقة الصبر

تعتبر فضيلة الصبر من القيم الأخلاقية التي يدرك الكثير من الناس أهميتها ودورها في حركة الفرد المؤمن بشكل عام، وذلك لارتباطها الوثيق بحياتهم الفردية والإجتماعية، وقد أوردها المولى تعالى في كتابه العزيز في عديد من المواضع ، منها قوله تعالى :« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ  إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ » ( سورة البقرة الآية 153) .

وكذلك أكّد النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار (عليهم السلام) على أهمية هذه الفضيلة، حيث ورد عن النّبيّ (صلى الله عليه وآله) عن جابر أنّه قال : « أنّه صلى الله عليه وآله سُئل عن الإيمان، فقال: الصبر كنز من كنوز الجنّة، وسئل مرة ؟ ما الإيمان؟، فقال صلى الله عليه وآله: الصبر » ( مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد، الشهيد الثاني، ص 47) ، وكذلك ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال : « الصبّر من الإيمان بمنزلة الرّأس من الجسد، فإذا ذهب الرّأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصّبر ذهب الإيمان » ( أصول الكافي، ج 2 ، ص 115، باب الصّبر ) .

وعند الرجوع إلى علماء الأخلاق ، نجدهم قد عرّفوا الصبر بأنّه: « ثبات النفس وعدم اضطرابها في الشدائد والمصائب » .

فهم بهذا التعريف نظروا إلى الصبر بما أنه حالة يعيشها المرء حينما تلمّ به مصيبة أو بلاء، إلا أنهم لم يوضّحوا الأساس الذي بنيت عليه هذه الحالة، وبمعنى آخر أن التعريف لم يبين معنى حقيقة الصبر ، ولم يتمكن من الإجابة على ما يجب علينا أن نوّفره في داخلنا، لكي نتمكن من الوصول لتحقيق وعيش الصبرفي حياتنا اليومية، وبالتالي يكون صَبْرُنا هو الصبر الذي يريده المولى تعالى، والذي تعلّقت به لفظة الصبر التي ذكرت في القرآن الكريم .

فلو رجعنا إلى الصبر كحالة يعيشها المرء، وهي حالة ضبط النفس عن ردّات الفعل السلبية، نجد أن هذه الحالة تتحقق من خلال وجود قيمة الرضى في داخلنا ،وهو الرضى بقبول أصل وجود المشكل الذي بسببه صبرنا.

نعم، الرضى وقبول وجود أصل البلاء بقلبٍ مؤمن ، هي القيمة التي يبنى عليها الصبر، وهي القيمة المكملة للصبر بحيث يكون صبرنا هو عين الصبر الذي قصده المولى تعالى في كتابه العزيز، حينما حثّنا على الصبر وأمرنا بالتمسك به في مواجهة كل ما يعترضنا من مصاعب.

ولكن الرضى الذي هو أساس الصبر والمكمل له، ليس هو الرضى الذي ينبع من حالة الإستسلام والفشل والخنوع، بل هو الرضى الذي يعود في وجوده إلى العلم بأنّ كل حركة في الوجود لا تحصل إلا بعلم ودراية ومشيئة إلهية، وهو الرضى الذي يتولد من الثقة بالله عز وجل، التي  ترجع  إلى الإطمئنان بأنّ المولى تعالى هو أكرم من أن يتعامل مع عبده بمنطق النقمة والضغينة، وهو أرحم وأعطف وألطف من أن يرى عبده يعاني ما يعاني، و يتركه وحيدا . 

ومن هنا نفهم أنّ الصبر في حقيقة جوهره، يعود إلى الرضى بقضاء الله وقدره، وهو الرضى النابع من الإيمان والثقة بمن بيده مقادير كل شيء، والرضى هو في الحقيقة قيمة يعيشها العبد أو الأمة في داخلها، بحيث إذا ما تحققت في داخل الإنسان، كانت له المقدرة على أن لا يتأثر نفسيا ومعنويا بسبب وجود البلاء في حياته، وبمجرد أن يعيش العبد المؤمن قيمة الرضى المبني على العلم والإيمان بكرم و جود ورحمة ولطف ربّه ، يصير عندها الصبر من أسهل الأمور وأيسرها . 

الكاتبة: أم جواد زينب صوفان

gate.attachment