نظرية الصحابة

تحتل نظرية عدالة الصحابة مساحة واسعة في الطرح السني للدور المناط بها في تبرير مبدأ الشورى في الخلافة,. حيث يعتمد ذلك الطرح في شرعية خلافة الشورى على إضفاء هالة من القداسة في الإيمان والسلوك والانصهار في المحتوى الإسلامي قلبا وقالبا على كل من كانت له صحبة مع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بدلالة بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تثبت لهم هذه الرتبة. وهذا ما حدا بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصرف النظر عن مسألة البت في قضية الخلافة ثقة منه بصحابته وأن كل ما يبدر منهم سيصب في مصلحة الإسلام ومستقبله, بل إن هذه الثقة جعلته يمتنع عن مجرد الإشارة لهذا الأمر لا من قريب ولا من بعيد, ويعتمد الطرح من جهة أخرى على روح الشورى التي بثها الإسلام وجَعَلها قاعدة من قواعد حكمه، وربما اعتمد كل ما دار من جدل حول هذا المبدأ على المساس بهذه النظرية أو تفنيدها ولكننا سنناقش جملة من الاحتمالات حول هذا المبدأ مع التسليم بالنظرية أو دون المساس بها. 1ـ ربما دفعت روح القيم الأخلاقية التي تشبّع بها الصحابة ومنها التواضع, الى الامتناع عن قبول مهمة الاستخلاف التي تعني أفضليته على البقية, وأناطتها بآخرين, فينتج عن ذلك تلكأ في عملية تعيين الخليفة وربما أدى ذلك التلكؤ إلى ضرر يخشاه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)على مستقبل الإسلام!.2ـ من خلال ملاحظة ماكان من مجلس الشورى الذي عقده الثاني كحل لمسالة الخلافة نرى منه حرصا على مسألة الوقت حيث جعله في ثلاثة أيام لما للتأخير في تعيين الخليفة من خطر بالغ على وضع الأمة, وقد بقي الستة يتداولون الأمر طوال المدة المسموحة حتى حزموا أمرهم تقيّدا بالمدة, وهم ستة معينون قد انحصر النقاش بهم, فكيف بالسقيفة ذات الزمن المفتوح والإطراف غيرالمحصورة.3ـ نتج عن خلافة الشورى نوع من الأصول العملية كالرأي وأقر الطرح السني شرعية هذه الأصول اعتمادا على حصانة الصحابي, فماذا لو أن احد الصحابة الأجلاء فهم من قوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) فهما أخر بأنه لاينطبق على الخلافة بدلالة سكوت الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)عنها. 4ـ قد وصلت الأصول العملية والرأي إلى حد الإفتاء إزاء النص كما في المسألة المعروفة في المؤلفة قلوبهم فماذا لو اجتهد بعض الصحابة برأيهم في خلاف إجماع الصحابة على الشورى ولا أظن أن هناك من يقول بجواز الاجتهاد إزاء النص القرآني وعدم جوازه إزاء الإجماع!5ـ الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم ) يعلم أن خلافا سيكون بينهم إلى حد التقاتل وإهراق الدماء ولا يحتمل فيهم أي خلاف بالرأي على مسألة لم يبت بها, ويظل يحمل تلك الصورة الطوباوية التي يرسمها لنا الطرح السني عن الصحابة بعده ! وإن تعليق أسباب ذلك الخلاف الدموي على ابن سبا أو أي شماعة أخرى تحاول أن تجعل تلك الأسباب من خارج دائرة الصحابة لايلغى احتمالية الخلاف وان الصحابة غير محصنين منه. 6ـ عاصفة الخلاف التي اجتاحت الخلافة الراشدة ودارت بفعلها حروب شرسة راح ضحيتها آلاف المسلمين ألم تشكل خطرا داهما على الأمة ؟ فلِم لم يأخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم )التدابير الكفيلة لتفاديها ! ولو قلنا انه ولثقته بصحابته اعتبرها فتنة طارئة لا يلبث أصحابه ان يتجاوزوها .. وان الصحابة كلهم عدول فأي واحد منهم يحرز النصر في نهاية الفتنة ويتصدى لقيادة الإسلام فمسيرة الإسلام لاخوف عليها, ولكن ماذا لو لم تنته الفتنة بنصر واحد منهم ! ماذا لو تفانوا وذهب ريحهم ؟!, ماذا لو أن دولة الروم المرابطة على حدودهم انتهزت الفرصة وانقضت من القسطنطينية بجيش جرار فجعلت دولة الإسلام أثرا بعد عين . ؟! هذا إذا أغفلنا المسؤولية الشرعية للرسول (صلى الله عليه واله وسلم )عن كل الدماء التي أهرقت في تلك الحروب حيث لم يتخذ التدابير اللازمة لمنعها .. الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم )الذي حرص جاهدا طوال فترة الدعوة أن لاتهرق لأعداءه الكفار قطرة دم وعاش في الإنسانية رمزا خالدا للسلام .7ـ كيف يمكن للصحابة ان يكونوا صورة مشرقة أمام الأمم الأخرى وحملة رسالة تدعي أنها خاتم الرسالات السماوية وأنها تجسد الذروة في الإنسانية بعد تزعمهم لهذه الحروب, إننا اليوم نجد الكثير من مفكري أعداء الإسلام يكيدون له من خلال تشنيعهم بالفتوحات التي تمت في صدر الإسلام, و التي يعتبرها الطرح السني تمثل النهج الإسلامي الصحيح وتتماشى مع قيمه العالية فكيف بحروب الفتنة التي يعترف بها ذلك الطرح بأنها فتنة وخلاف الإسلام ! .8ـ بالنسبة لصفين ومعاوية على وجه الخصوص, إذا كانت الحصانة الصحابية فعلا إلهيا فهو الإمامة وإن كانت فعلا مكتسبا من خلال الاحتكاك بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) والانتهال من سلوكه واخلاقة وعلمه فإن معاوية لم يكن له حظ من ذلك حيث اسلم بعد فتح مكة 8هـ وقد توفي الرسول الأعظم سنة 11هـ وهي فترة غير كافية للوصول الى مايؤهله لأن يكون قبالة صحابة عاشوا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم )منذ أول الدعوة كعلي بن ابي طالب ( عليه السلام ) أو عمار بن ياسر ليكون ذا اجتهاد كفؤا لاجتهادهم.9ـ اذا قلنا بما ينسب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )قوله ( الخلافة بعدي ثلاثون عاما وبعدها الملك) فإن سؤالا أساسيا سيلح حينها لِم هذه المدة ولِم هذا التحديد المرضي عنه من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) أليس الإسلام إلى يوم القيامة ؟! هل وجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم )في صحابته ما يحفظ له القيادة الصالحة للأمة خلال هذه المدة وضرب مابعدها من قرون بعرض الحائط بعدما أوجب على الأمم المتعاقبة خلال تلك القرون الإيمان برسالته ! .لو أخذنا بالحديث خرجت خلافة معاوية من خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم )ودخلت في الملك فهنا تكون عملية تعيين الثاني له كوال على الشام بل إعفاءه من الشدة التي طالما كانت السمة الأهم في رشد خلافته سببا أساس في انتقال خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )إلى الملك حيث وضعه على أول الطريق وإذا أُعتُذِر له بأنه خطأ غير متعمد وليس ثمة عصمة فإن هذا الخطأ يُرتق بما بين الصحابة من التشاور الذي كان أساس الخلافة الراشدة وان الخليفة كان يستعين بهم, وإن أخطئوا جميعا بطلت حجية اجماعهم . ثم أن هذا الخطأ هو ما عنته الأمامية من ضرورة امتلاك الخليفة للنظرة البعيدة التي تمكنه من وضع التدابير اللازمة للحيلولة دون أي خطر يضر بمستقبل الأمة .10ـ مع المسار الزمني الذي تعاقب فيه الخلفاء على سدة الحكم ظهر أئمة المذاهب الفقهية والكلامية, إن قلنا بشرعيتهما معا كان ذلك إقرارا بفصل الدين عن الدولة فلماذا يعارض الطرح السني هذا المفهوم في وقتنا الحاضر وإن قلنا بعدم شرعية الخلفاء انهارت الحضارة الإسلامية بسلب الشرعية عن القائمين عليها فكيف يؤكد ذلك الطرح على مرجعيتها !والخلاصة إن الطرح السني حين يدعي إن الواقع السيئ الذي يعيشه المسلمون اليوم ومنذ قرون خلت ناتج عن انحراف الأجيال اللاحقة للسلف الصالح عن خطه المثالي فإننا نستشف السبب من كل ما ذكرت في أن مبدأ الشورى لم يكن يمتلك تخطيطا لمسألة الخلافة الإسلامية وضمان الديمومة لقيادتها الصالحة, وإن القائلين بنظرية عدالة الصحابة قد جاءت مبانيهم الفكرية وفق ماتتابع من حالات على ساحة الخلافة, فمع الأول طبلوا للشورى وروح الديمقراطية وكيف أنها سر من أسرار عظمة الإسلام وحين عيّن الأول الثاني تعيينا شخصيا لم يراجع فيه احدا وكذلك فعل الثاني مع الثالث وجعلها في ستة قالوا إنها المصلحة ولما أدت سياسة الثالث الى حروب طاحنة بين المسلمين وتسلم معاوية الحكم ضيّقوا الحديث عن الفتنة وتغاضوا عن تحليل الأحداث وتمحيص الأسباب والنتائج فيها, ولما نتجت عن حكومة معاوية دولة الأمويين اجتهد أولئك القائلون بالنظرية في تبرير ما لايمكن تبريره من انحراف تلك الدولة حتى بلغ الأمر ببعضهم في التبرير لمعاوية استخلافه ليزيد انه لم يكن يعلم ما سيُقدم عليه من قتل للحسين ( عليه السلام ) وهدم للكعبة .إننا إذا سلمنا بهذه المهزلة المنطقية فلن يحق لنا أن ندعي أننا حملة فكر رسالي يمثل الحقيقة التي على العالم أن يهتدي إليها .

الكاتب / الشيخ صلاح الخاقاني