الشبهة : كيف يمكن ان نعتبر صيغة الجمع في آية المباهلة تدل على المفرد

هنا اعتراض مشهور أورده الفخر الرازي وآخرون على نزول هذه الآية في أهل البيت. يقول هؤلاء : كيف يمكن أن نعتبر أنّ القصد من «أبناءنا» هو الحسن والحسين (عليهما السلام) مع أنّ «أبناء» جمع و لا تطلق على الاثنين ؟ وكذلك «نساءنا» جمع، فكيف تطلق على سيّدة الإسلام فاطمة (عليها السلام) وحدها ؟ وإذا كان القصد من «أنفسنا» عليّاً (عليه السلام) وحده فلماذا جاء بصيغة الجمع ؟

الجواب :

أوّلاً : كما سبق أن شرحنا بإسهاب، أنّ هناك أحاديث كثيرة في كثير من المصادر الإسلامية الموثوق بها ـ شيعية وسنّية ـ تؤكّد نزول هذه الآية في أهل البيت، وهي كلّها تقول إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله ) لم يدع للمباهلة غير علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، هذا بذاته قرينة واضحة لتفسير الآية، إذ أنّ من القرائن التي تساعد على تفسير القرآن هي السنّة وما ثبت من أسباب النزول.

وعليه، فإنّ الإعتراض المذكور ليس موجّهاً للشيعة فقط، بل أنّ على جميع علماء الإسلام أن يجيبوا عليه، بموجب ما ذكرناه آنفاً.

ثانياً : إطلاق صيغة الجمع على المفرد أو المثنى ليس أمراً جديداً فهو كثير الورود في القرآن وفي غير القرآن من الأدب العربي، وحتى غير العربي.

من ذلك مثلاً أنّه عند وضع قانون، أو إعداد إتّفاقية، تستعمل صيغة الجمع على وجه العموم. فمثلاً، قد يقال في إتّفاقية : إنّ المسؤولين عن تنفيذها هم الموقّعون عليها وأبناؤهم. في الوقت الذي يمكن أن يكون لأحد الأطراف ولد واحد أو اثنين. فلا يكون في هذا أيّ تعارض مع تنظيم الإتّفاقية بصيغة الجمع. وذلك لأنّ هناك مرحلتين، مرحلة «الإتفاق» ومرحلة «التنفيذ». ففي المرحلة الأُولى قد تأتي الألفاظ بصيغة الجمع لكي تنطبق على جميع الحالات. ولكن في مرحلة التنفيذ قد تنحصر الحالة في فرد واحد، وهذا لا يتنافى مع عمومية المسألة.

وبعبارة أُخرى : كان على رسول الله (صلى الله عليه وآله ) بموجب إتفاقه مع مسيحيّي نجران، أن يدعو للمباهلة جميع أبنائه وخاصّة نسائه وجميع من كانوا بمثابة نفسه. إلاَّ أنّ مصداق الإتّفاق لم ينطبق إلاَّ على ابنين وامرأة ورجل (فتأمّل !).

في القرآن مواضع متعدّدة ترد فيها العبارة بصيغة الجمع، إلاَّ أنّ مصداقها لا ينطبق إلاَّ على فرد واحد. فمثلاً نقرأ : (الذين قال لهم الناسُ إنّ الناسَ قد جمعوا لكم فاخشَوهم)(1) المقصود من «الناس» في هذه الآية هو «نعيم بن مسعود» حسب قول فريق من المفسّرين، لأنّ هذا كان قد أخذ أموالاً من أبي سفيان في مقابل إخافة المسلمين من قوّة المشركين.

وأيضاً نقرأ : (لقد سمع الله قولَ الذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء)(2). فهنا المقصود بـ «الذين» في هذه الآية، على رأي كثير من المفسّرين، هو «حي بن أخطب» أو «فنحاص».

وقد يطلق الجمع على المفرد للتكريم، كما جاء عن إبراهيم : (إنّ إبراهيم كان أُمّة قانتاً لله)(3). فهنا أُطلقت كلمة «أُمّة» وهي اسم جمع، على مفرد.

كما أنّ آية المباهلة تفيد بأنّ أبناء البنت يعتبرون أبناء أبيها أيضاً، بخلاف ما كان سائداً في الجاهلية في إعتبار أبناء الابن فقط هم أبناء الجد، إذ كانوا يقولون :

(بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد)

هذا اللون من التفكير كان من بقايا التقاليد الجاهلية الخاطئة التي لم تكن ترى المرأة عضواً من أعضاء المجتمع، بل كانت تنظر إليها على أنّها وعاء لنموّ الأبناء فقط، وترى أنّ النسب يلحق بالآباء لا غير. يقول شاعرهم :

وإنّما أُمّهات الناس أوعية مستودعات وللأنساب آباء

غير أنّ الإسلام قضى على هذا اللون من التفكير، وساوى بين أبناء الابن وأبناء البنت.

نقرأ في الآية 84 و 85 من سورة الأنعام بشأن أبناء إبراهيم : (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (*) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ).

فالمسيح عيسى بن مريم عدّ هنا من أبناء إبراهيم مع أنّه كان ابناً من جهة البنت.

الأحاديث والروايات الواردة عن طريق الشيعة والسنّة بشأن الحسن والحسين (عليهما السلام) تشير إلى كلّ منهما بـ «ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله )» كراراً.

وفي الآيات التي تحرّم الزواج ببعض النساء نقرأ : (وحلائل أبنائكم). يتّفق علماء الإسلام على أن الرجل يحرم عليه الزواج من زوجة ابنه وزوجة حفيده سواء أكان من جهة الابن أم البنت، باعتبار شمولهم بالآية المذكورة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ آل عمران : 173.2 ـ آل عمران : 181.3 ـ النحل : 120.

gate.attachment