الامامة الإلهية في الاحاديث النبوية الشريفة

مما لا شك فيه ،ان علماء مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) قد استدلوا على الأحاديث النبوية في أثبات إمامة آل بيت النبي الاكرم (صلوات الله عليهم) وعلى نحو خاص أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب(عليه السلام) ، ومن ابرز هذه الأحاديث على سبيل المثال لا الحصر هي :

حديث الدار :

يمكن القول لما نزل قوله تعالى: ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) دعا النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآلة) رجال عشيرته إلى الإسلام،  وقد وارد هذا الخبر في كتب ، وفي كتب السيرة والتفسير، إذ روى محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن عباس، عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه الآية على النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآلة)(وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) دعاني رسول الله فقال:" يا علي، إن الله يأمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمت عليها، حتى جاءني جبرئيل فقال لي: يا محمد إلا تفعل ما تؤمر يعذبك ربك. فاصنع لنا صاعاً من طعام، وأجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عساً من لبن، ثم أجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به.."[1]. ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم له، وهم يومئذٍ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب .

فلما أجتمعوا اليه دعاني بالطعام الذي صنعته، فجئتهم به، فلما وضعته، تناول رسول الله جذبة من اللحم، فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصفحة، ثم قال: خذوا باسم الله، فأكل القوم حتى مآلة بشيء حاجة، وأيم الله أن كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم .

ثم قال: إسق القوم، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا جميعاً، وأيم الله أن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله أن يكلمهم، بدره أبو لهب فقال: سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله.

فقال في الغد: يا علي، إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فأعدّ لنا من الطعام مثل ما صنعت ثم أجمعهم، ففعلت ثم جمعت، فدعاني بالطعام فقربته، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا، ثم تكلم رسول الله فقال: " يا بني عبد المطلب، إني قد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا ويكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها جميعاً .

فقلت وأنا أحدثهم سناً: يا نبي الله، أكون وزيرك عليه قال: فأخذ برقبتي وقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع" [2].

حديث الغدير :

لقد ورد حديث الغدير في المصادر الشيعية والسنية، اذ أخرج أحمد بن حنبل بسند صحيح عن زيد بن أرقم  قال: "نزلنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآلة) بوادٍ يقال له: وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير، قال فخطبنا، وظلل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فقال رسول الله: ألستم تعلمون؟ ألستم تشهدون أني أولى بكل مؤمنٍ من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فإن علياً مولاه، اللهم عادِ من عاداه ووالِ من والاه"[3] .

حديث الولاية :

مما لا شك فيه، قد أجمع الكثير من رواة الحديث والمفسرين والمؤرخين على رواية حديث الولاية بسنده إلى ابن عباس: "أنت ولي كل مؤمن بعدي" وهذا لفظ أبي داود الطيالسي في مسنده. أو "أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة" وهذا لفظ الحاكم في المستدرك. أو "أنت وليي في كل مؤمن بعدي" وهذا لفظ أحمد في المسند[4]، يبدو من ذلك تمن النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآلة) يخاطب الامام علي بن ابي طالب  بمثل هذا الخطاب، ولا يخفى عليكم وجود كلمة "بعدي" في جميع الألفاظ الثلاثة .

حديث الثقلين :

 يعد من أشهر الأحاديث النبوية الشريفة والذي أوصى به النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآلة) المسلمين بالتمسّك بعد رحيله بالثقلين،  ولاسيما ان الحديث هو أحد أبرز الأدلة النقلية التي يتمسّك بها علماء مدرسة اهل البيت لإثبات وجوب الإمامة واستمراريتها وعصمة الأئمة، وقد حظي الحديث بالكثير من الاهتمام منهم على سبيل المثال لا الحصر ذكر ابن كثير بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآلة): " يأايها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم بهِ لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي" [5]

بالإضافة الى ذلك ذكر الطبراني وآخرون بإسنادهم عن زيد بن أرقم قالوا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآلة):"إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما" [6]. وبذلك يمكن القول ان حديث الثقلين يعد من ابرز واهم الأحاديث في موضوع الولاية والإمامة بحيث لا نجد نظيراً له بين الروايات والأحاديث الواردة في هذا الشأن.

حديث المنزلة :

ان حديث المنزلة قد ورد بألفاظ ومواضع ومناسبات متعددة عن النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه والة) الذي تناقلهُ جُلَّ علماء المسلمين، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر مسلم الذي يروي هذا الحديث بأسانيد عدّه، منها: ما يرويه بسنده عن سعيد بن المسيب.. ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآلة) لعلي (عليه السلام) : "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" [7] .

ونستنتج من ذلك، أن منصب الإمامة في الأحاديث النبوية هو  تعين بأمر إلهي عن طريق النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآلة)، ولمّا فوّض المسلمون أمر أختيار الإمام إلى أنفسهم، حتى تقمصها فيما بعد الطلقاء والفساق والجهلة والسفاكون من بني امية وآل العباس، وأصبحت الخلافة وراثة كسروية قيصرية.

وبمرور الأيام أصبح تعيين الخليفة في يد خدم البلاط ومماليكه وإمائه وجواريه، بيدهم الحل والربط، يعبثون بمصائر الإسلام والمسلمين، رهناً بشهواتهم، والخليفة لعبة مبتذلة في أيديهم، يختارونه اليوم ويخلعونه غداً، ويبايعونه الساعة، ويسلمونه أو يقتلونه بعد ساعة .

هذا ومن حمل كتاب الله، وعلم نبيّه من آل البيت(عليهم السلام) خائف يترقب، أو محبوس يتعذب، أو شريد غريب عن أهله ودياره، وأعداء الأسلام يقتطعون أرضه قطعة قطعة، ويقتلون أهله جماعة جماعة.

فأكتمال الدين إذن، إنما كان في التبليغ، تبليغ الرسالة كاملة، فيها تبيان كل شيء يحتاج المسلمون إلى تبيانه وفيها معالم الصراط المستقيم إلى الفوز العظيم، أعني أن إكتمال الدين ظل نظرياً، لم يتشخص في واقع المسلمين .

جعفر رمضان

 

[1]للمزيد من التفاصيل ينظر: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، المعجم الأوسط، تحقيق: طارق عوض الله الحسيني، (القاهرة: دار الحرمين، 1995م)،  ج6، ص 218؛ أبو بكر أحمد بن علي الجصاص أحكام القرآن ، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995م)، ج2، ص 557؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، جـ 42، ص 357؛ ، محمد بن محمد العمادي أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى المزايا القرآن الكريم، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ت)، ج3، ص 52.

[2] أبو حنيفة بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون التميمي المغربي ، دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام عن أهل بيت رسول الله عليه وعليهم أفضل السلام، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، (القاهرة: دار المعارف، 1963م) ج 1، ص ص 15-16؛ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام العكبري، الأرشاد في معرفة حجج الله على العباد، (بيروت: دار المفيد، د.ت)، ج 1، ص ص 49-50؛ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، الأمالي، (قم: دار الثقافة، 1994م)، ص 582.

[3]ابن حنبل، مسند أحمد، ج4، ص 372؛ أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي، مسند الشاشي، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، (المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم،1990)، ج 1، ص 166؛ الخطيب البغدادي، الفصل للوصل المدرج، تحقيق: محمد مطر الزهراني، (الرياض: دار الهجرة، 1998م)، ج1، ص 566؛ أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني، مصباح الزجاجة، تحقيق: محمد المنتقى الكشناوي، (بيروت، دار العربية، 1983م)، ج1، ص ص 19-20.

[4] للمزيد من التفاصيل ينظر: ابن حنبل، مسند احمد،ج1، ص330؛  ابو داود سليمان بن داود الطيالسي، مسند الطيالسي، (بيروت: دار المعرفة، د.ت)، ص360؛ الترمذي، سنن الترمذي، ج5، ص632؛ النسائي، السنن الكبرى، ج5، ص 132.

[5]  ابن كثير، تفسير القرآن العظيم ، ج4، ص 123 .

[6] للمزيد من التفاصيل ينظر: الطبراني، المعجم الكبير، ج 5، ص 166؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، ج3، ص 118؛  محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، كمال الدين وتمام النعمة، (قم: مؤسسة النشر الأسلامي، 1985)، ص241.

[7] للمزيد من التفاصيل ينظر: القشيري، صحيح مسلم، ج4، ص 1870؛ أبو محمد عبد الملك بن أيوب الحميري ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، (بيروت: دار الجيل، 1991م)، ج 5، ص 199؛ أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار النسائي، فضائل الصحابة، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1985م)، ص 13؛ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الدار قطني، علل الدار قطني، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، (الرياض: دار طيبة، 1985م)، ج4، ص 373؛ عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي، العلل المتناهية، تحقيق: خليل الميس، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1983م) ج1، ص 228.

gate.attachment