الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة السيد احمد الصافي في 21 رجب الأصب1437هـ الموافق 29نيسان 2016م

إخوتي أخواتي ... نبقى مع عهد امير المؤمنين (عليه السلام) الى واليه على مصر مالك الاشتر من جملة ما ذكر (عليه السلام) :

( ليس يبقى من امور الولاة الاّ ذكرهم وليسوا يذكرون الا بسيرتهم وأثارهم حسنة كانت أم قبيحة، فأما الأموال فلا بد أن يؤتى عليها فيكون نفعها لغيره ، أو لنائبة من نوائب الدهر تأتي عليها فتكون حسرة على أهلها ، وإن أحببت أن تعرف عواقب الإحسان والإساءة وضياع العقول بين ذلك فانظر في أمور من مضى من صالح الولاة وشرارهم ، فهل تجد منهم أحداً ممن حسنت في الناس سيرته ، وخفّت عليهم مؤونته وسخت بإعطاء الحق نفسه أضر به ذلك في شدة ملكه ، أو في لذّات بدنه ، أو في حسن ذكره في الناس، أو هل تجد أحداً ممن ساءت في الناس سيرته واشتدت عليهم مؤونته كان له بذلك من العز في ملكه، مثل ما دخل عليه من النقــص به في دنياه وآخرته، فلا تنظر إلى ما تجمع من الأموال، ولكن انظر إلــى ما تجمع من الخيرات، وتعمل من الحسنات ... ).

أحب ان اعرض الى الإخوة الأكارم ، ان في بعض الحالات ، الكلام لعامة الناس يشمله هذا الكلام ، الإنسان ألان لا يكون همّه ان يجمع المال ؛ يكن همه ان يجمع من الحسنات ومن الطاعات ، هذا أمر حسن لكل احد لكن عندما يتصدى الانسان لمسؤولية معينة قد تكون سياسية لاشك ان هذه الامور ستكون فيه أشد وستكون في أولى ، ولذلك الامام (عليه السلام) تكلم مع مالك عندما ارسله والياً لم يتكلم معه عندما كان معه في الكوفة مثلا ً ، أراد ان ينبّه مالك الى اشياء مهمة تضر بولايته ان لم يلتفت وتقوي ولايته ان التفت.. وهذا الكلام قد يكون لكل احد .. لكن كونه والي يتصدى لأمور المسلمين لابد ان تكون رقابته لذاته اكثر وان يكون نصحائه أكثر .

ولذا إخواني هذا النص نص مهم وطريقة للتعامل مع أي متصدي عليه ان يلتفت الى ما يقوله امير المؤمنين (عليه السلام) وامير المؤمنين (عليه السلام) ممن اجمع عليه المسلمون اما على نحو الوصي بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) او كونه خليفة رابع وبالنتيجة هذا الكلام من شخص كان خليفة للمسلمين ووجه ولاته بكلمات لفلان وفلان من جملتهم مالك الاشتر .. فالكلام فيه دقة وعلى من يتصدى ان يفهم كيف يتعامل مع هذا النص .

قال (عليه السلام) : ( ليس يبقى من امور ليس يبقى من امور الولاة الاّ ذكرهم وليسوا يذكرون الا بسيرتهم واثارهم حسنة كانت ام قبيحة ... ).

هذا واقع نعيشه ، لم يبقى من امور الولاة الا الذكر ، وخرج عما كان من تحت يده وبقى الذكر ، ولم تبقى الا سيرتهم والناس يذكرونهم بحسب أثارهم ؛ فترى شخص يقول رحمه الله كان خيراً لنا وناس تقول لا يرحمه الله كان شراً علينا ، وبقيت الآثار شاخصة والسيرة شاخصة والناس تتكلم بهذه الاثار فترى الناس .

ثم يقول (عليه السلام) : (فأما الأموال فلا بد أن يؤتى عليها فيكون نفعها لغيره، أو لنائبة من نوائب الدهر تأتي عليها فتكون حسرة على أهلها ... ) .

لاحظوا المنافسة الامام (عليه السلام) بين وسائل الاغراء لا تقع انت فيها.. الانسان عندما يتمكن ثروات وجيش وهذه كلها تجعله يكتنز بلا رقيب وحسيب .. الامام (عليه السلام) يقارن : (فأما الأموال فلا بد أن يؤتى عليها فيكون نفعها لغيره، أو لنائبة من نوائب الدهر تأتي عليها فتكون حسرة على أهلها ) وهذا حقيقة نوع من التهديد خطير .. الاموال لا تمثل قيمة للإنسان والاثار والسيرة هي القيمة فالإنسان اذا لم يُحسن لا قيمة حقيقية له .

وهذا إضافة الى ان المال ذهب سيكون حسرة لأن غالباً تكدس الاموال لا يأتي بموازين مقبولة قد يكون فيه تجاوز على حقوق الاخرين واموالهم فاذا ذهبت هذه الاموال تكون حسرة لا هذا الذي اخذها انتفع بها و لا بقيت عند ذلك المسكين ويوم القيامة يسألهم الله عن ذلك سؤالا ً حثيثاً .

ثم الامام (عليه السلام) بين لمالك ميزان قال (عليه السلام) : (وإن أحببت أن تعرف عواقب الإحسان والإساءة وضياع العقول في ذلك فانظر في أمور من مضى من صالح الولاة وشرارهم ) .

الإحسان له عاقبة والإساءة له عاقبة وضياع العقول ايضاً له عاقبة .. ان احببت ان تعرف عاقبة هذه الامور .. (فانظر في أمور من مضى من صالح الولاة وشرارهم)..

ثم قال (عليه السلام) : (فهل تجد منهم أحداً ممن حسنت في الناس سيرته، وخفّت عليهم مؤونته وسخت بإعطاء الحق نفسه أضر به ذلك في شدة ملكه)

هذا السؤال هنا موضع سؤال ولكنه للنفي حيث هنا السؤال الامام (عليه السلام) يريد ان يبين لمالك انك لا تجد فهذا عنوان سؤال ولكنه موضوع للنفي.. فترى الناس تذكر احد الولاة بالسيرة الطيبة وانه كان يفكر في خدمة وإعطاء حق الرعية .

واقعاً عندما يتأمل كلام امير المؤمنين (عليه السلام) يتألم لما يمر بالناس والمظالم كثيرة.. المتصدي عندما يسخو ويعطي ويرى ان هذا المقدار هو الحق فنفسه لا تتوقف.. مثلا ً اذا انت في بعض الحالات ترى ان الحق ليس معك والشيطان يزين لك بان الحق ليس معك ولكن انت تحارب نفسك وتنتصر وتقوم تعطي الحق لهذا الشخص .

لكن غير معلوم ...

الآن الحق المالي اذا كان الف او مليون انت تقوم تعطيه لكن غير معلوم اذا كان الحق مليار مثلا ً تفعل نفس الفعل تقوم تعطيه او هناك مجموعة من المتزلفين يمنعوك عن فعل الحق ..!!

هذه الصفات الثلاثة هل تجد هذه الصفات اضر به ذلك في شدة ملكه او في لذات بدنه او حسن ذكره بين الناس ، لا لا يوجد شيء من هذا ، بالعكس فعل هذه الأشياء والناس تترحم على ايامه حيث كان يرفق بهم .

تعال الى الطرف الأخر ، يقول (عليه السلام) : ( أو هل تجد أحداً ممن ساءت في الناس سيرته واشتدت عليهم مؤونته كان له بذلك من العز في ملكه، مثل ما دخل عليه من النقــص به في دنياه وآخرته ) .

تراه سيء جداً لا يحترم الناس تربع على عرش وبدأ يظلم هذا وذاك ويسجن هذا ويفعل ما يحلو له .

هل أصبحت له عزّة مع ابتعاده عن الله سبحانه وتعالى وظلم الناس .. ومثال على احد الطواغيت الحجاج والذي هو طاغوت وسيف من سيوف معاوية ومعروف قصته مع سعيد بن جبير وما فعله في تلك الأيام ، ولكن انظروا ما هي عاقبته .

إنما الدنيا دول وتدور وعلى الانسان ان يلتفت ويعتبر من طواغيت التاريخ .

ثم يقول (عليه السلام) : (فلا تنظر إلى ما تجمع من الأموال، ولكن انظر إلــى ما تجمع من الخيرات، وتعمل من الحسنات، فإن المحسن معان..) .

هذا هو المنهاج الذي رسمه امير المؤمنين (عليه السلام) الى مالك الاشتر (رضوان الله تعالى عليه ) ، والحمد لله رب العالمين .

 الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

gate.attachment