348 ــ قاسم الملا (1290 ــ 1374 هـ / 1873 ــ 1954 م)

قاسم الملا (1290 ــ 1374 هـ / 1873 ــ 1954 م)

قال من قصيدة في رثاء شهيد كربلاء علي الأكبر (عليه السلام) تبلغ (28) بيتاً:

شبيهُكَ في الأخلاقِ والخُلقِ أودعتْ      مـحاسنُه في (كربلا) بثرى الغبرا

ذوى غـصـنُـه مـن بعدما كان يانعاً      وبالرغمِ ريحُ الحتفِ تقصمُه قسرا

فـيـا لـيـلُ طـلْ حـزناً فليلى بنوحِها      وأجـفـانُـهـا إن جـنَّـها ليلها سـهرى (1)

الشاعر

الشيخ قاسم بن محمد بن حمزة بن حسين بن نور علي التستري الحلي المعروف بـ (الملا)، شاعر وأديب وخطيب ولد في الحلة ونشأ نشأة علمية برعاية والده الشاعر والخطيب الكبير محمد الملا فتلقن على يديه فن الخطابة، (2) كما رافق الشاعر حسن القيم الحلي واستفاد من شاعريته فجمع بين الخطابة والشعر حتى أصبح الملا من شعراء الحلة وخطبائها الكبار يقول الشيخ محمد علي اليعقوبي في ترجمته: (وكان جل تحصيله الأدبي من الشاعر المجيد الحاج حسن القيم فإنه اقتفى أثره في جودة السبك وسلاسة اللفظ وجزالة التركيب، وكان يعرض عليه كثيراً من قصائده ولا يحفظ من الشعر العربي إلا ما يختاره له أستاذه المذكور...) (3)

وينقل السيد جواد شبر عن اليعقوبي قوله: (ورأيت في سنة ١٣٩٨ ه‍ وأنا في الحلة في منزل ولد المترجم له، الملا عبد الوهاب ابن الشيخ قاسم الملا من آثاره الادبية والشعرية مخطوطات كثيرة تدل على أدب واسع وتضلع في الأخبار والعقائد والمناظرات كما حدثني ابن أخته السيد حبيب الأعرجي ـ أحد خطباء النجف ـ بكثير من روائعه ومواقفه الخطابية). (4)

وقال عنه السيد جواد شبر: (الشيخ قاسم من خطباء الحلة ناظما وناثرا وخطيبا محققا له شهرته الخطابية) (5)

هاجر الملا إلى الكوفة بعد اجتياح الحلة من قبل القائد العثماني عاكف عام (1916)، وسكنها أربع سنوات ثم عاد إلى الحلة وتوفي فيها ودفن في النجف الأشرف (6)

شعره

يقول الخاقاني: (له ديوان شعر يقع في أربعة أجزاء ضخام وآخر في اللغة الدارجة، وقد أجاد فيه وتنوع في سائر فنونه..) ويقول الشيخ اليعقوبي: (كان مكثرا من الشعر له في كل حلبة مجال وحول كل واقعة مقال...) (7)

ويقول في ترجمته السيد جواد شبر: (وقد استعرت ديوانه من الأخ البحاثة السيد جودت القزويني وتصفحته ونقلت عنه بعض ما أردت إذ أن الديوان يضمُّ كثيراً من الشعر وهو وثيقة تاريخية مفيدة ....) (8)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (38) بيتاً:

ولــكـنْ بُـكـائـي لـلـحـسينِ ورهطِهِ     ومَن لـهـمُ بـالـطـفِّ جـلّـتْ مصارعُ

بـيومٍ به هبَّتْ إلى الـضـربِ غـلمةٌ     عـزائـمـهـمْ والـمـاضـيـاتُ قـــواطـعُ

بكـلِّ فتىً ما بارحَ الـطـعـنَ رمـحُه     ولا بارحتْ مـنه الـنـزالَ الــوقــائــعُ

إذا ما دعـاهُ صـارخٌ بـعـدَ هـجـعـةٍ     فـقـبـلَ انـقطاعِ الـصوتِ منهُ يسارعُ

تـغـذّى بـثـدي الـحـربِ إذ هيَ أمُّه     وكـلـهـمُ مــن ذلـكَ الـثــدي راضـــعُ

يـروعـونَ إمَّــا أقـدمـوا في نزالِهم     وما راعهمْ في حـومةِ الـمـوتِ رائعُ

كأنَّ الـرديـنـيـاتِ بـيـنَ أكـفِّــــهـــمْ     صِـلالُ ذعــافِ الـمـوتِ فـيـهـنَّ ناقعُ

لقد رفعتْ من عثيرِ النقعِ خـيـلـهـمْ     سـمـاءً بـهـا نــجـــــمُ الأسـنّـةِ طـالـعُ

إلى أن هووا صرعى ومـا لغليلهمْ     بـهـاجـرةِ الـرمــضــا سوى الدمِّ ناقعُ

فـعـادَ ابـنُ طـهَ لـم يـجدْ مِـن مُدافعٍ     فـديـتُـكَ يـا مَـن بـانَ عـنـكَ الـمُـدافعُ

فـأيـقـظـتِ الأعـداءُ مـنه ابنَ نجدةٍ     على الضيمِ منه الطرفُ ما قطّ هاجعُ

تراهُ الأعادي دارعاً فـي مـضـافـةٍ     ولـكـنــه بـالـصبرِ فـي الـروعِ دارعُ

إذا رنَّ طبلُ الحـربِ غـنّى حسامُه     قفا نبكِ من رقـصِ الـطلى يا قواطعُ

وإن أظـلـمَ الـمـيدانُ مِن نقعِ طرفِهِ     فأحـسـابُـه والـمـاضـيـاتُ نــواصــعُ

وإن غيَّمتْ يوماً سـحـائـبُ عـزمِهِ     بـمـاءِ الـطـلـى تـنـهـلُّ فـهـيَ هـوامعُ

إلى أن هوى فوقَ الثرى وجـبـيـنُه     بلألائِـهِ لـلـشـمـسِ والـبـدرِ صـــادعُ

وغُـودرَ فـي عـفـرِ الـرغـامِ رمـيَّةً     ورُضَّــتْ بـقـبِّ الـخيلِ منه الأضالعُ

فضجَّتْ له السبعُ الطباقُ وأعولتْ     وعـجَّـتْ عـلى الآفاقِ سـودٌ زعـازعُ

يُعلّى على الخطيِّ جـهـراً كـريـمُه     فيبصَرُ بدرٌ مـنـه فــي الأفـقِ طــالـعُ

عـجـبـتُ لـه رأسـاً بأبـرجةِ الـقـنـا     تراءى خـطـيـبـاً فـهو بالذكرِ صادعُ (9)

وقال من قصيدته في علي الأكبر (عليه السلام) والتي تبلغ (38) بيتاً:

ولمْ يـشـجـنـي ركـــبٌ أجـدَّ مـسـيـرَه     كركبِ حسينٍ حين جدَّ به الـمسرى

سروا عن مـغـانـي طـيبةٍ وحَدَتْ بهمْ     نجائبُ تطوي فـي مـنـاسمِـها القفرا

إلى أن أناخوا بالـطـفـوفِ قـلاصَـهـمْ     وحــادي نـواهـمْ بعدَ شـقـشــقـةٍ قـرَّا

فما عشقوا فيها سوى الـبـيضِ رونقاً     ولا ســامـروا إلّا الـمـثـقّــفـةَ السمرا

فـوا ثـكـلَ خـيـرِ الـرسـلِ أكرمَ فـتـيةٍ     بهم عرَّقت للفخرِ فـاطـمـةُ الـزهــرا

فـيـا راكبَ الوجـنـاءِ تــسـبـقُ طـرفَه     إذا ما فلتْ أخـفـافُها السهلَ والوعرا

تجوبُ الفيافي لا تـمـلُّ مِـن الـسـرى     إذا غرَّدَ الحادي وحنَّتْ إلى المسرى

أقـمْ صـدرَها إن جـئتَ أكـنافَ طيبةٍ     ومِـن طـيـبِـهـا تستنشقُ الندَّ والعطرا

هـنـالـكَ فاخضعْ واخلعِ النعلَ والتثمْ     ثـراهـا وقـــلْ والــعـيـنُ باكيةٌ عبرى

إلـيـكَ رســـولُ اللهِ جـــئـتُ مُـعـزِّيـاً     بـقـاصـمـةٍ لـلــدينِ قـد قـصمتْ ظهرا

شبيهُكَ في الأخلاقِ والخُلقِ أودِعتْ     مـحـاسـنُـه في (كربلا) بـثـرى الغبرا

ذوى غصنُه من بعدما كـان يـانـعـاً     وبالرغمِ ريحُ الحتفِ تـقـصـمُـه قـسرا

فـيـا لـيـلُ طـلْ حـزناً فـليلى بنوحِها     وأجـفـانُـهـا إن جـنَّـهـا لــيلها سـهـرى

تعط الحشا لا البردَ حزناً على ابنِها     وأدمتْ أديمَ الخدِّ من خـدشِها الـظـفرا

فـمـا أمَّ خـشـفٌ أدركـتـه عـلى ظما     وخوفُ حبالاتٍ نأتْ فـي الـفلا ذُعـرا

بأوجدَ منها حين لـلـسـبـطِ عـايـنـتْ     ومنهُ صقيلُ الوجهِ حزناً قـد اصــفـرَّا

أعـيـدي دعــاءَ الأمِّ يــا لـيـلُ إنّـنـي     أرى ابـنَـكِ فـي أعـداهُ يـغتنم الـنصرا

فأرختْ على الوجهِ المصونِ أثيثَها     وطرفُ أبيهِ السبطِ من طرفِـها أجرى

ولمْ أنسَه لـمَّـا عـلـيـهِ قـد انـحـنــى     وأحـشـاؤه حــزنـاً مـسـعَّــرةٌ حـــــرَّى

يـنـادي عـلـى الـدنـيـا العفا ونداؤه     عـلـيـهِ عـظـيـمٌ شجوُه يصدعُ الصخرا

ومن شعره في أهل البيت يذكر مصائبهم من قصيدة تبلغ (41) بيتاً:

أغـارَ الأســى بـين الـضـلـوعِ وأنـجـدا     فصوَّبَ طرفي الدمعَ حزناً وصـعَّدا

ولم يشـجـنـي ربـعٌ خـلا مـثل ما شجى     فـؤاديَ ربـعٌ قد خلا من بني الـهدى

نوى العترةِ الهـاديـنَ أضـرمَ مُـهـجـتي     وبـيـنَ حـنـايـا أضـلـعـي قـد تــوقّـدا

خـلـتْ منهمُ تـلـكَ الـعـراصُ فـأقـفـرتْ     وقد عصفتْ فـيـهـنَّ عاصفةُ الـردى

وكـانـوا مـصـابـيـحـاً لـخـابـطـةِ الدجى     إذا قـطـعـتْ في الليلِ فـجَّـاً وفــدفـدا

تـنـيـرُ بـهِ أحـسـابُـــهـــم ووجــوهــهُـم     فـبـعـدهـمُ يـا لـيـتَ أطـبـقَ ســرمــدا

ونـارُ قِـراهـمْ قــد رآهـــا كــلــيــمُـــــه     فـعـادَ بـهـا فـي أهـلِـه واجـداً هــدى

وسـحـبُ أيـاديـهـمْ يـسـحُّ ركـــامُـــهـــا     ومـنـهـلـهـمْ لـلـوفــدِ قد ساغَ مـوردا

قـضـوا بـيـن من أرداهُ سيفُ ابنِ ملجمٍ     فـأبـكـى أسـىً عـيـنَ البتولِ وأحـمدا

ومـا بـيـنَ مـن أحـشـاهُ بـالـسـمِّ قُـطعَتْ     وقـد نـقـضـوا منه عـهـوداً ومـوعدا

وصـدّوهُ عـن دفـنٍ بـتـربـــــــةِ جــــدِّهِ     وأدنـوا إلـيـهِ مـن لـه كــانَ أبـــعـــدا

ولـم تـخـبُ نـيـرانُ الـضـغـائـنِ مـنـهمُ     ولا قلبُ رجسٍ من لظى الغيظِ أبردا

إلـى أن تـقـاضـوا مـن حـسـينٍ ديونَهم     فـروَّتْ دمــاهُ الـمـشـرفـيَّ الـمـهـنــدا

أتـتـه بـجـنـدٍ لـيـسَ يُـحـصـى عـديـــدُه     ولـكـنـه مـن يـومِ بـــدرٍ تـــجـــنَّــــدا

وسـامـوهُ ذلّا أن يُـسـالـمَ طـــائــعــــــاً     يـزيـدَ وأن يُــعـطـي لـبـيـعـتِــه يـــدا

فـهـيـهـاتَ أن يـسـتـسلمَ الليثُ ضارعاً     ويــسـلـسُ مـنـه لابـنِ مـيسونَ مِقودا

فـجـرَّدَ بـــأســـاً مـــن حـسـامٍ كــأنّــما     بـشـفـرتِـهِ الـمـوتُ الــزؤامُ تـــجـرَّدا

إذا ركـعَ الـهـنـديُّ يـــومـــاً بــكــــفّــهِ     تـخــرُّ لـه الـهـامـاتُ لـلأرضِ سُـجَّدا

وأعـظـمُ مــا أدمــى مــآقــيــهِ فـــقــدُه     أخـاهُ أبـا الـفـضـلِ الـذي عـزَّ مَـفـقدا

رآهُ وبـيـضُ الـهـنـدِ وزّعَ جــــــسـمَـه     وكـفّـيـه ثـاوٍ فـي الـرغــامِ مُــجــرّدا

فنادى كسرتَ الآنَ ظـهـري فلمْ أطـقْ     نـهـوضـاً وجــيـشُ الصبرِ عادَ مُبدّدا

وعـادَ إلـى حـربِ الــطـغـاةِ مُــبــادِراً     عديمَ نصيرٍ فـاقدَ الـصُّـحـبِ مُـفــردا

ومازالَ يُردي الـشـوسَ فـي حـمـلاتِهِ     إلى أن رُمي بـالـقـلـبِ قـلـبي له الفدا

فمالَ على الــرمـضـا لـهـيـفَ جـوانحٍ     بـعـيـنـيـهِ يـرنـو الـنـهرَ يطفحُ مُزبدا

مصابٌ له طاشتْ عقولُ ذوي الحجى     إذا مـا تـعـفّـى كـلُّ رزءٍ تــــجــــدَّدا

ومـا بـعـده إلا مـصـابُ أبـي الـرضـا     كـسـا الـديـنَ حـزنـاً سـرمـدياً مُخلّدا

أتـهـدأ عـيـنُ الـديـنِ بـعـدَ ابـنِ جـعفرٍ     وقـد مـاتَ مـظـلـوماً غريباً مُـشـرّدا

فـعـنْ رشـدِهِ تـاهَ الـرشــيــدُ غــوايــةً     وفـارقَ نـهـجَ الـحـقِّ بـغـيـاً وأبـعــدا

سعى بابنِ خيرِ الرُّسلِ يا خابَ سعيَه     فـغـادرَه رهـنَ الـحـبـوسِ مُــصــفّـدا

ودسَّ لــه سـمَّـاً فـأورى فــــــــــؤادَه     فـكـلُّ فــؤادٍ مــنـه حـزنــاً تــوقّـــــدا

وهاكَ اســتـمـعْ ما يعقبُ القلبَ لوعةً     ويـنـضـحُـه دمـعـاً عـلـى الخدِّ خدَّدا

غداةَ المنـادي أعـلـنَ الـشـتـمَ شـامـتاً     على النعشِ يا للناسِ مـا أفـظـعَ النّدا

أيُـحـمَـلُ مــوسـى والـحـديـدُ بـرجـلِهِ     كـمـا حُـمِـلَ الـسـجَّــادُ عـانٍ مُـقـيَّــدا (10)

وقال من قصيدة في الحر الرياحي (عليه السلام) تبلغ (18) بيتاً:

وكُن مِــــن رقِّها حرَّاً وأنشدْ      (لنــــعمَ الحرّ حرّ بني رياحِ)

رقى لــسما العلاءِ وليسَ إلّا      سـلالمه سوى الأسلِ الرماحِ

وأفلحَ طالب الشرفِ المعلّى      بنصرةِ أهلِ حي على الفلاحِ (11)

وقال من أخرى:

قد ماتَ فانقلبوا على الـ     أعــقابِ لم يخشوا عـــقابَه

مـــــنعوا البتولةَ أن تنو     حَ عليهِ أو تبكي مـــصابَه

نعشُ الـــــــنبيِّ أمامهم      ووراءهـــــم نبـــذوا كـتابه

لم يحفظوا للـــمرتضى      رحمَ النبوَّةِ والــــــــقرابه

لو لم يكن خيــر الورى     بعد النبيِّ لمـــا استنــــابه

قـــد أطفأوا نورَ الهدى      مذ أضرمـــــوا بالنارِ بابَه

في أيِّ حـــــــكمٍ قد أبا     حوا إرثَ فاطمَ واغتصابه

بيتُ النبوَّةِ بيتـــــــــها     شـــــــادتْ يدُ الباري قبابَه

أذِنَ الإلهُ بـــــــــرفعِه     والقومُ قـــــد هتكوا حجابَه (12)

...........................................................

1 ــ أدب الطف ج 10 ص 73 ــ 74

2 ــ الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 373

3 ــ البابليات ج 4 ص 186

4 ــ أدب الطف ج 10 ص 72 ــ 73

5 ــ أدب الطف ج 10 ص 72

6 ــ البابليات ج 4 ص 187

7 ــ شعراء الحلة ج 5 ص 463

8 ــ أدب الطف ج 10 ص 73           

9 ــ البابليات ج 4 ص 187 ــ 188 / الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 374 ــ 375 / أدب الطف ج 10 ص 71 ــ 72

10 ــ البابليات ج 4 ص 189 ــ 190 / أدب الطف ج 10 ص 74 ــ 75 / الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 375 ــ 377

11 ــ شعراء الغري ج 5 ص 459 ــ 460

12 ــ خطباء الحلة الفيحاء ص 214 ــ 215

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار