الرمزية في الفن الإسلامي (الحلقة الثالثة)

اللون رمز إسلامي

 

جسد الفنان المسلم مفهوم اللون ودلالاته داخل أعماله الفنية تجسيداً صورياً ، مستفيداً من قدرته الرمزية والإيحائية في خلق صور تشكيلية دالة ومجسدة للمفاهيم الروحية والدينية والوظيفية ، فكان اللون هو الوسيلة الأكثر تعبيراً عن قيمة أو مدلول أو ظاهرة ،سواء من الناحية الجمالية أو الرمزية او حتى الفلسفية والتعبيرية.

فلو تطرقنا لبعض الألوان الرئيسة  ودلالاتها في الإسلام وفق ورودها في بعض آيات القرآن الكريم لوجدنا ذكرا واضحا لستة ألوان وهي ( الأبيض و الأسود والأحمر والأخضر والأصفر والأزرق ) ، وقد وردت في مناسبات عدة وبدلالات رمزية متباينة.

فاللون الأبيض مثلاً له دلالات رمزية عند المسلمين فهو لونٌ مريحٌ للنفس مبهجٌ للقلب ، باعثٌ للسرور والنشاط في العقل ، وهو لون النور الإلهي  والإيمان والصفاء والحسن ، ويتضمن دلالة الإشراق والإضاءة  في ليالي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر العربي ، ، وقد أشير إلى بياض الوجه للتعبير عن النقاء والصفاء والإشراق، كما في قوله تعالى :   ((وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )) ،  و قوله جل وعلا : ((وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)) .

     أما اللون الأسود  فيرتبط بدلالات كثيرة في القرآن الكريم وأكثرها ما هو متعلق بالوجه واسوداده  نتيجة لكثرة الذنوب كما في قوله تعالى : ((َأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)) ، وللون الاسود دلالات اخرى قد تختلف  تمام الاختلاف عما سبق فهو لون الحزن المتعارف عليه ، وايضا ًما نجده في لون الكساء الأسود للكعبة الشريفة ولون الحجر الأسود .

   في حين ان اللون الأخضر في الإسلام يمتلك رمزية عالية وله دلالات كثيرة يمكن أن نلمسها في بعض الآيات المطهرة من القرءان الكريم  كما في قوله تعالى:  ((الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ)) و قوله جل شأنه : ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)) .

أما في الملابس فاللون الأخضر فيه دلالة على لباس أهل الجنة كما في قوله تعالى :   ((عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً )) ، وفي موضع آخر قوله تعالى : ((وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً)) .        وعليه فارتباط اللون الأخضر بأقدس مستقر وهو الجنة ، وراح يمثل رمزاً للخلود في النعيم  حيث أزلية الجمال ، فضلا عن أنه يعد بمثابة البرزخ بين توجه العبد والعالم اللاهوتي إلى المطلق ، لذا جاء استخدامه في قباب المساجد والأماكن المقدسة .

   وورد ايضاً اللون الأزرق مرة واحدة في القرآن الكريم  ، في قوله تعالى: (يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً )  ، أي زرق الأبدان وهو لون مكروه وغير محبب عند العرب و المسلمين وهو اقل درجة  وأدنى بكثير من اللون الأخضر.

    أما اللون الفيروزي فقد ظهر لأول مرة في الفن العراقي القديم ،وتحديداً عند البابليين  ، حيث اكتسب دلالة روحية  ارتبطت بجلب الطمأنينة وطرد الأرواح الشريرة ،وقد نبع عند الفنان المسلم من روح العقيدة الإسلامية  ، برغم جذوره الرافدينية  ،  فحضوره في تجريدات الفنان المسلم فيه استكمال لتشكيل اللغة الروحية المتحررة من عالم المادة  وإطلاق اللغة الرمزية المقابلة للوجود، فضلاً عن مزج اللون الأزرق واللون الأخضر احدث تغييراً كاملاً في ملامح اللون الأزرق، وكأن الفنان المسلم أراد أن يقول (( اقبل إلى الله تعالى  وتخلص من ذنوبك  بتوبة وإيمان  وعمل صالح يوصلك إلى  مستوى الرضا بسيرك نحو المطلق )) ، وعلى هذا الأساس يكون هذا اللون برمزيته العالية  في قباب المساجد  تسانده بذلك بعض الرموز الموجودة في القبة أو المئذنة ، وهي الخطوط الخارجية التي توحي بالسمو والارتفاع ، وكأنها  تجذب الأنظار نحو تأمل هذه الإشارات المؤتلفة.

 وقد استخدم الفنان المسلم اللون الذهبي في عناصر الزخرفة المتنوعة ، معتمداً على التناظر والتراكب والتكرار في إكسابه المعاني خلال تركيباته وسيادته جنباً إلى جنب مع جماليته التعبيرية  وارتبط برمزيته  بالخيال في وصف العمارة والقصور.

أما بقية الألوان كالأحمر والأصفر والبني  فلم  تكتسب دلالاتها بصورة رئيسية ،إلا  في حاله استخدامها لملء فراغات الزخرفة.

وجدير بالذكر هنا .. ان الالوان كان لها خصوصية عالية في الرايات التي رفعها المسلمون في حروبهم وغزواتهم ، فهي تُعدُّ في حد ذاتها رمزاً معبراً عن أمة أو فريق معين ، فضلاً عن أن عقد الألوية والرايات في الأماكن العامة كان للدلالة على إشهار الأمر وإعلان الحرب لذا تحمل الألوية والرايات ألواناً  تميزها ، ومن هنا اختلفت ألوانها .. فقد ورد في الخبر ان لون اللواء في معركة مؤتة كان ابيض وقد سلمه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى زيد بن حارثة ، وكان الإمام علي عليه السلام  يحمل راية سوداء ولواء ابيض في في بعض معاركه ضد الخوارج ، وفي معركة صفين كانت رايته عليه السلام حمراء ، وكانت أعلام العلويين وراياتهم خضراء ، وغيرها من الرايات والوانها التي استخدمها المسلمون في حروبهم وسلمهم والتي كان لها دلالات ومعان كثيرة ومختلفة ، فمنها ما يثير الهمم ومنها ما يسترجع مآثر الأبطال من الأجداد من شجاعة وقوة وإقدام .

جمع وتحرير

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات