خيال الالوان بين ابداع التشكيل والفنون الرقمية

قد يتبادر الى الاذهان الكثير من التساؤلات حول مصير الفن التشكيلي وادواته التقليدية بحضور الفن الرقمي وسماته الحداثوية ، التي ابصرت النورمن بين التيارات الفنية المتزاحمة والإيديولوجيا الثقافية المتباعدة للشعوب لينبثق منها أسلوب فني جديد اصبح بمثابة الطلائع الاولى لثورة إبداعية وبصرية تؤسس لحاضر ثقافي ابداعي جديد  ، وللإجابة عن تلك التساؤلات لابد لنا من الاطلاع على واقع الفن الرقمي وتأريخه ومدى ارتباطه بالفنون التشكيلية التقليدية وفنانيها .

فلايمكن لاحد اليوم ان ينكر ما للتقنيات والبرمجيات الحديثة من دور مهم في مسيرة حياتنا اليومية ، فهي قد اختصرت الزمان والمكان وسهلت قضاء متطلباتنا الحياتية اليومية بسلاسة حتى وصل المرء الى مرحلة الادمان عليها " إن صح التعبير " ، فثورة التقنيات الحديثة والبرمجيات قد استحوذت اليوم على واقعنا وعبثت بتفاصيل حياتنا اليومية ، حتى صار العديد منا رهينا لسحرها وسطوتها حتى اصبح واقع حياتنا متداخلا مع واقع التقنية الافتراضي لينتج مزيجا مستحدثا فريدا من نوعه تداخل في كل مفاصل الحياة وثقافاتها ومنها الفنون التشكيلية  .

ماهية الفن الرقمي

هو الفن المنشأ بواسطة الحاسوب بشكل رقمي ، كالصور المأخوذة بواسطة الماسح الضوئي أو الصور المرسومة بمساعدة تقنيات برامج الرسم الحديثة ، والتي مثلت بعدا جديدا للفن بمساعدت الشبكة العنكبوتية " الانترنت "  المدعم بروابط تتقاطـع بين الفنــان والعمل الفني والمتلقي ، حتى امست اليوم لغة المخاطبة بين الناس ، ليتم إدخال البرمجيات الحديثة بلغة الارقام للحاسب الألى لمعالجاتها وتحويلها إلى تصاميم وتراكيب ذات طابع فني مميز يتسم بالاقتراب من الواقع  ليظهر كما نشاهده اليوم وبابعاد ثلاثية وحتى رباعية ، حيث

تتسم اللوحات الفنية الحاسوبية بحضورالتقنية العالية وبتشكيلات تكوينية ذات صياغات ابداعية ، تستخدم فيها عناصر مختلفة من الالوان والظل والضوء والكتل والفراغ  والتناظرات التكوينية للتعبير عن مختلف الافكار بأسلوب ابداعي مميز .

ومن المثير للاهتمام ان عملية  بناء كل لوحة فنية رقمية تتطلب معرفة كبيرة مبنية على رؤية فنية ومهارة عالية في استخدام ادوات برامج الحاسوب ومنها الفرش واﻻلوان وغيرها من الادوات الضرورية في عملية صياغة  الفن الرقمي او اللوحة الرقمية  والتي لايمكن للمبدع ان يستغني عنها في عملية صياغة الصورة وفقا لموهبته الابداعية، فالحاسوب جهاز اصم مجرد من المشاعر واﻻحاسيس والعقل البشري هو الذي يسير تكنلوجيا المعلومات وتوظيفها في مجاﻻت الحياة  المختلفة ولاسيما الفن ، ليكون بالمحصلة الفن الرقمي مزيجا متناسقا من التكنولوجيا والإبداع يتجسد في تغيير ثقافة التعبير و يعطي عصراً بصرياً فنيا جديداً.

بدايات الفن الرقمي

انطلقت النواة الاولى للفن الرقمي بمحاولة جادة عند منتصف القرن الماضي مع فنان الحداثة الأمريكي " بنجمين فرانسيس لابوسكي " ، حيث شدته بمحض الصدفة بعض أشكال الترددات على شاشات الرادار الالكترونية ، والتي عادت بذاكرته لأسلوب الفنان " كاندانسكي " التجريدي من حيث الهيئة ، حيث تميزت هذه الأشكال المرتسمة على الشاشة ببنية دائرية وهيئة حلزونية وكأن يدا خفية ماهرة قد رسمتها بإدراك حسي دقيق ومتناسق ، مما دفع الفنان الى التأمل والتفكير بتلك الترددات والميل نحو إستعمال شاسشة الحاسوب واستثمارها كأداة فنية ، كونها تتمتع بأمكانات هائلة ،  فقد لاحظ الفنان دقة هائلة في الرسم إلى درجة تفوق بكثير قدرة الإنسان ، فقرر تطوير هذه القدرة وتوظيفها في مجال الفنون التشكيلية ، فعمد لإنجاز أول محاولة في الفن الرقمي في تاريخ الفنون البصرية من خلال لوحة بعنوان " تردّدات " ، يصف بها الترددات الضوئية التي تظهر على شاشة الحاسوب معلنا عن انطلاق حقبة جديدة من الفنون وهي الحقبة الرقمية ، لتتوالى المحاولات بعد ذلك ساعية لتطوير هذه التقنيات الحديثة وتسخيرها للفنانين وتقنيي الصور ومصممي الغرافيك وغيرهم ممن تلامس احاسيسهم هذا المجال الفني ، فكانت بادرة لظهوراولى البرامج الرقمية المختصة في صناعة ومعالجة الصورة لتثري ساحة الفنون الرقمية ببرامج متنوعة على غرار سلسلة الأدوبي والكورال والفوتوشوب فيما بعد ، لتحدث نقلة نوعية في تاريخ الفنون البصرية يعتد بها بعض الفنانين لتزيدهم قدرة على الإبداع والتفنن في لوحاتهم الرقمية ، ليسارع العديد منهم لمسايرة هذه الثورة العلمية ، ويستغلوا ببراعة وتفنن إمكاناتها اللاّمحدودة واللاّمتناهية والذكاء الذي تتمتع به الحواسيب وتقنياتها ، من خلال تسخيرهذه القدرات الرقمية الخارقة في خدمة إبداعاتهم الفنية من صور ورسومات رقمية وحتى المنحوتات الافتراضية ليرسخوا قواعد الثقافة الفنية التشكيلية الجديدة بين افراد المجتمع من المتلقين .

 

جمع وتحرير

سامر قحطان القيسي

المرفقات