تحلق الارواح هائمة في افق يسمو بها بعيدًا وراء حدود الزمان ... لتحط في بقعة طاهرة قد حباها الله سبحانه وتعالى وأغدق عليها بالفضل العميم .. في مسجد مطهر يفخر بأن ضم جسد اطهر الانام نبي الله ورسوله محمد بن عبد الله "صلى الله عليه وآله " ، وكان منه انتشارأهم وقائع الدهر وأفضلها ، لتكون نبراسا للهداية والرحمة الالهية بشروق شمس الاسلام وانتشارها في بقاع الارض .
يعد المسجد النبوي الشريف أهم معالم المدينة المنوَّرة ، فقد اختار موقعه رسول الله -صلى الله عليه وآله إثر وصوله إلى المدينة مهاجرًا، وشارك في بنائه بيديه الشريفتين برفقة علي بن ابي طالب عليه السلام وأصحابه من المهاجرين والانصار ، وصار مقرا لقيادته ومنطلقًا للدعوة الاسلامية وموقعًا للعبادة وانتهال العلم والمعرفة ، وظل يتسع ويزداد خصوصا بعد استشهاد الرسول صلى الله عليه وآله ودفن جسده الطاهر فيه ، ليتبارى الحكام والملوك والأمراء فيما بعد لتوسعته وتطوير مفاصله العمرانية لتصبح كما هي عليه الان .
بني المسجد النبوي وتطورعمرانيا وفق المراحل التأريخية العديدة التي مر بها والتي ادت الى تشكيل عناصره المعمارية والزخرفية ببراعة يميز من يراها براعة الفنان المسلم وتطور فنونه ، ونلحظ ذلك جليا في وحداته العمرانية التي تجسدت في الابواب المتعددة والمتنوعة الهيئات والنقوش فضلا عن ، المحراب والمنبر وزخارفهما المميزة بتنوع الوحدات وتراكم الاساليب الفنية في التنفيذ ، والمنائرالعشرة المحيطة المرتفعة على جدران المسجد وايضا قبر النبي الاعظم "صلى الله عليه وآله" والقبة التي تعلوه والتي مازالت تطلى باللون الاخضر حتى يومنا هذا .
ولو دققنا في تأريخ القبة التي تعلو المسجد الان وعدنا لتأريخ انشاءها الاول لوجدنا انها لم تكن موجودة قبل عام 678هـ ، فقد عمد الحاكم المملوكي سيف الدين قلاوون الى بناء القبة الشريفة وكانت مربعة الاضلاع من أسفلها مثمنة من أعلاها وكانت مصنوعة من الخشب المثبت على رؤوس الأساطين المحيطة بالحجرة وسمر فوق الخشب ألواح من الرصاص وفوقها ثوب من القماش لوقايتها من الأمطار واطلق عليها اسم القبة الفيحاء انذاك ، واستمر وجودها حتى حدث حريق في الحرم في عهد السلطان حسن بن محمد بن قلاوون واحترق من ضمنه ألواح الرصاص فجددت هذه الألواح ثم جددت مرة أخرى عام 765 هـ على عهد السلطان شعبان بن حسن بن محمد بن قلاوون .
ولما كان عام 886 هـ وفي عهد السلطان المملوكي قايتباي التهم حريق اخر جزأ غير يسير من حرم المسجد فأمر بتجديد بناء الحرم ومن ضمنه بناء القبة بالحجارة السوداء المنحوتة تعلوها قبة أخرى تحويها وأحكمت الحجارة بالجبس كدلالة على تطور فنون البناء ، وفي عهد السلطان محمود العثماني تشققت القبة العليا فأمر بهدم أعاليها وإعادة بناءها ووضع حاجزا خشبيا بين القبتين الداخلية والخارجية بغية عدم اطلاع البنائين على القبر الشريف وعدم تساقط مخلفات البناء على القبة الداخلية ، وتواتر الحكام الواحد تلو الاخر في اعمار وتجميل حرم المسجد النبوي والاهتمام الخاص بقبته ، حتى حلول مطلع العام 1228هـ حينما عمد السلطان محمود الثاني العثماني الى تجديد القبة الشريفة وطلائها باللون الأخضر ، فاشتهرت بالقبة الخضراء بعد أن كانت تعرف بالبيضاء أو الزرقاء أو الفيحاء .
اما باطن قبة المسجد فهي الاخرى قد لاقت اهتماما كبيرا حتى اصبحت كما هي الان " كما في الصورة ادناه " بتشكيلتها الزخرفية الرائعة ، التي اتت كخلاصة لتراكم خبرات المزخرف المسلم بتشكيل دائري زخرفي اتبع نظاما زخرفي بؤري شعاعي الهيئة ، يتكون من نقطة مركزية دائرية تحيط بها دائرتان اكبر منها ، ويحيط بالدوائر الثلاث تشكيل زخرفي هندسي قوامه نجمة ذات رؤوس متعددة يصل عددها الى (16) رأساً تنطلق منها اشعاعات خطية متراكبة لتكوّن اشكالاً هندسية مختلفة الأضلاع ناتجة من تكرار شكل هندسي سداسي الأضلاع يتكرر حول النجمة بشكل شعاعي ، مما يكوّن اشكالاً معينية من الداخل تنحصر بين النجمة والاشكال الهندسية السداسية ، وأشكال اخرى خماسية الأضلاع من الخارج تحيط بالتكوينات الزخرفية الداخلية.
ومن الملاحظ أن الأشكال الهندسية الخماسية والسداسية الأضلاع قد إحتوت بداخلها على مساحات زخرفية صغيرة استطاعت ان تحتل منطقة الوسط وأخذت شكل الإطار الخارجي الذي يحيط بكل وحدة هندسية منها بشكل مشترك ، ولا يخفى على المشاهد ان تلك المساحات الزخرفية الصغيرة قائمة على مجموعة من الأغصان مكونة اشكالاً زخرفية نباتية تمتزج مع هندسية الشكل العام في اجمل صورة لترتفع مطلة من الاعلى على اقدس بقاع الارض .. قبر الرسول الاعظم ابي القاسم محمد بن عبد الله " صلى الله عليه وآله " ..
فسلام عليك أيها البشير النذير ..السلام عليك أيها الداعـي إلى الله و السراج المنيـر.. السلام عليك و على أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا .
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق