حرص المسلمون على أن يخرج القرآن الكريم مخطوطاً ومطبوعاً في أجمل صورة، وأبهى حلة، حيث اشتهر العديد من الخطاطين على مر العصور ببراعتهم في تجويد الخط وجماله، فكتبوا المصاحف بحرفية عالية وانكب المجلدون والمذهبون وابدعوا في إخراجه، حتى أصبح ذي رونق أعظم وشكل أجمل وبجلال اكثر، ليكون بذلك احد مسببات تطور الكتابة وفن الخط العربي وتجويده، خطاً ونقشاً حتى اصبح من أهم الوحدات الزخرفية الفنية الإسلامية ، ليس ذلك فحسب بل تعداه ليشمل كل جوانب الفن الإسلامي وميادينه.
تبارى الخطاطون على مر العصور المتعاقبة لنيل شرف كتابة كلمات الله التامات في المصحف الشريف بخطوط متعددة ، وبرز منهم من بلغ حد الكمال بإبداعاته الخطية ، فجاءوا بما يبهر من الخطوط الرائعة التي خلدت ذكرهم على مر العصور، ومازالت الكثير من هذه المصاحف محفوظة في العديد من المساجد والمتاحف ودور الكتب والمؤسسات الثقافية ، ومنها ما هو مكتمل النص القرآني ومنها ما وجدت أجزاء منه فقط او حتى بعض الوريقات منه.
وقد كتبت المصاحف في بداية الأمر بخطوط مربعة ذات زوايا، مثل الخط المكي والخط الحيري الذي يعد من أقدم الخطوط التي كتب بها المصحف واستمر استخدامه من قبل الخطاطين حتى استحداث الخط الكوفي في خلافة امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، والذي يعد من أجمل الخطوط العربية واكثرها تأثيرا في وجدان المسلمين ، وقد كتب به المصحف الشريف وكل ما يتعلق بالنصوص الدينية والمستندات الرسمية ، كما كانت تزين واجهات واروقة المساجد كتكوين زخرفي جميل.
واستمرت المصاحف تكتب بالخط الكوفي طوال أربعة قرون تلت وكان من بين أسباب استخدام هذا الخط دون غيره هو امكانيته في توليد زخارف خطية متنوعة الاشكال ، مما يعطي جلالا لخطوط القرآن الكريم بما يتفق وقدسيته ، واستمر الخطاطون على ذا الحال حتى استحداث خطوط اخرى كخط النسخ ومن بعده الثلث والخط المغربي الذي انتشر في بلاد المغرب الإسلامي وبلاد الأندلس، ثم خط الرقعة، وأنماط أخرى اسهمت في تطور الخطوط العربية وبالخصوص المستخدمة في كتابة القرآن الكريم .
وبعد اتقان الخطاط العربي لكتابة المصاحف بخطوطها المميزة والجميلة ، ابتكر فن إخراج المصحف الشريف الذي يعد من أهم الفنون الجميلة منذ القرن الأول الهجري وحتى العصر الحديث ، فبغياب تقنية الطباعة آنذاك كان المصحف الواحد يشترك في إخراجه مجموعة من الفنانين، يعملون لأكثر من عام في زخرفته وتذهيبه وكتابة آياته بالخط العربي بأشكاله المختلفة، ومن ثم تجليده تجليدا فاخرا.
وتعود البدايات الاولى لزخرفة وتذهيب المصاحف إلى العصر العباسي ، حيث اهتم الفنان العربي المسلم بزخرفة وتذهيب المصحف الشريف متأثراً بفنون الساسانيين الشائعة في بلاد فارس ، وكتب المصاحف على صفائح الفضة والذهب والعاج، وطرز الآيات القرآنية الكريمة بخيوط من الفضة والذهب على الحرير والديباج بغية تزيين المساجد والمجالس والمكاتب والدواوين.
وكان التذهيب للمصاحف في بداية الأمر مقتصرا على أجزاء معينة من الصفحات، كأشرطة بين السور، والفواصل بين الآيات الكريمة، وامتد إلى الصفحات الأولى لتزخرف جميعها، وكذلك الصفحات الأخيرة من المصحف، وقد بلغ فن التذهيب والتلوين روعته في العصر المملوكي، حيث وصل ذروة الإجادة في التكوينات الهندسية والمضلعات والأشكال التجميلية وزخارف التوريقات والتفريعات النباتية التي أرست دعائم الفن الإسلامي في تجميل الخط ، ولاريب ان النص القرآني قد أضفى على الخط العربي منزلة خاصة في نفوس المسلمين جميعا، فامتزج عندهم الشعور الديني مع الإحساس بالجمال الفني ، ونشأت منه الروائع الفنية الإبداعية لتطوير الأساليب والأنماط التقليدية للفن الاسلامي بشتى صنوفه.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق