جمال الخط ينبع من جمال الروح

عمد الفنان المسلم إلى ابتكار جمالية جديدة بروح إسلامية محضة ، اساسها خلق عالم جديد يمكن أن يكون مختلفا إن لم يكن متعارضاً مع المظاهر الحسية للطبيعة او حتى متعارضا مع حقيقتها .

    فالفنان المسلم لم يهتم بالمظهر الخارجي للأشكال في الطبيعة  فهي بنظره سعي لتبديد ذلك المظهر ومخالفته ، إذ بمقدار ابتعاده عن الكيان المادي الملموس للطبيعة فهو قد اقترب من جوهرها ليتحد معها روحيا  ، فالفنون الإسلامية تبتعد عن التجسيم ابتعاداً واضحاً في كل ما أنتج فيها من أعمال ابداعية وعلى وجه الخصوص فني الخط والزخرفة اللذين اصبحا  من اعلى مراتب سلم الفنون الإسلامية ، حيث استخدم الخط وهو مزدان ببعض النقوش والزخارف المميزة لتجسيد كلام الله على الورق أو على جدران العمائر المختلفة .

لا شك ان غاية الفنان المسلم هي محاولة الوصول إلى الجمال الإلهي ومحاكاته ، حيث اتسمت الفنون العربية الإسلامية بصورة عامة بمحاكاة ذوات الاشياء لا اشكالها ، فسلكت سبل التجريد للتعبير عن ذاتها والخط العربي كأحد اهم تلك الفنون كان وما زال يؤدي وظيفته  لإبهار المتلقين حتى اصبح الحرف العربي على يد مجوديه يمثل جزءاً لا ينفصل عن الاعمال الفنية الاسلامية المختلفة .

عمل الفنان المسلم جاهداً على استلهام العالم الروحي وتسيير الحياة الدنيا لتصب في الحياة الآخرة والتي تُعد غاية مبتغى وامال المسلمين ، فاتخذ من الحروف العربية وقوانينها والبُنى المجاورة لها كالزخارف والسطوح التي تنفّذ عليها سبيلا لذلك ، ملتزماً بمفهوم الصدق الخالص كمبدأ من مبادئ الإسلام التي مهما استطاع المرء ان يرتقي بقدراته الانسانية - العقلية والتقنية والفنية والوجدانية – فإنه يعجز عن الوصول اليها فهي مقتصرة على الخالق المصور جل شأنه .

 والخط العربي بشكل عام مرتبط بالكلمة العربية والتي تحمل بصورتها الصوتية مصدر الاستلهام ويتضح هذا عن طريق التجاوب  بين الذهن والصورة  او ما يطلق عليه بـ (الحدس ) فأي كلمة عربية تحتفظ بأصولها في الطبيعة ، وبنية اللسان العربي كبنية الجسم الإنساني وهي بنية موحدة مؤتلفة منسجـمة  بجـميع عـناصـرها ، فالكلمة العربية هي صورة تتضمن صوتا ومعنىً وخيالات مرئية وعند استخدامها كعنصر فني في الخط او الزخرفة الكتابية على سبيل المثال  ، فهي كائنة بقصد تركيب لوحة فنية بأبعاد مكانية وزمانية لا كشكل فني جمالي  فحسب .

 فلو اطلعنا على اللوحة اعلاه والتي تمثل مخطوطة ثلثية رائعة لقوله جل وعلا (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )  وتأملناها برؤية لوجدنا انها تحمل بين حروفها الجميلة ابعاداً متماسكة  تجسّدت في البعد الفني الجمالي والبعد الروحي الزمكاني الذي يحيلنا الى الخالق المصور جلت قدرته .

كان الفنان المسلم ومازال يُسقط جميع نقاط الرؤية اللامحدودة على مظاهر مواضيعه التصويرية مع الاهتمام لأصولها سواء أكانت نباتية أو خطية أو هندسية او اشكال اخرى ، فقد احال جميع الإشكال المادية والفكرية إلى تكوينات شكلية مجردة وملخصة لكل الخصائص الشكلية واللونية والخطية للوجود وهي مرتبطة بعلاقات تنظيمية محسوسة بعيداً عن الرؤية البصرية التقليدية للإشكال .

ومن الجدير بالذكر أن للنفس البشرية فعلاً إبداعياً بنائياً إضافة إلى دورها في التذوّق الجمالي للفن ، فالفنان المسلم حين يعدّ الصورة ليجعلها مقبولة عند نفس المتلقي يخرج عن شكلها الفعلي المألوف فينتزع مادتها الحسية مجرداً إيَّاها من المحسوسات وحركتها فتصبح الصورة المجردة في الفن الإسلامي ، مظهراً توافقياً بين الذات والنفس في الوقت ذاته وهذا ما يسعى لتحقيقه أغلب الفنانين في محاولة لإضفاء صفة الموضوعية في طرح فكرة اللوحة .

وبذلك نستطيع القول .. ان النص عندما يتوحّد مع العناصر الجمالية في المخطوطات العربية  فهو  يجعل من الفن عملاً سامياً خالداً ينفذ إلى الأفئدة والألباب لما يحمله من متعة روحية رفيعة .. وكيف لا يكون ذلك ؟ وهو يكتب قول الحق سبحانه .

 

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة