وما النصر الا من عند الله

حرص رسول الله  "صلى الله عليه واله " على أن تكون أغلب غزواته في شهر رمضان المبارك ، زلفة وتقربا إلى الله العلي القدير وإرشادا للمؤمنين إلى سبيل إحتمال الشـدائد في الجهاد في سبيل الله وعظم مثوبته ، لتجتمع لدى المجاهدين الصائمين مجاهـدة النفس والأعداء في ان واحد ، فإنِ انتصرفقد فازعلى هوى النفس وأعداء الله ، وإن استشهد فهو اعظم الجهاد والفوز العظيم .

فقد عرف رمضان وعلى مرالعصور بشهر انتصارات المسلمين ، وقد دارت فيه اقوى المعارك الفاصلة والعظيمة ، فكانت غزوة بدر الكبرى في رمضان من السنة الثانية للهجرة ، اعقبتها معركة فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة ونزول سورة النصر " ، ومن ثم معارك عين جالوت واسترداد بيت المقدس وغيرها من المعارك الحاسمة عبر التاريخ  التي انتصر فيها المسلمين ، لتتوالى انتصارات وبشائرشهر رمضان  لتقف هذه الامة شامخة عزيزة كما هو العهد برجالها ، طاردة أوهام اليأس ووساوس الإحباط والخوف التي كانت تعصف بها عصفا ، لتنهض بهمم الرجال في اسمى لوحات التلاحم والنصرة بأنتصارهم وتطهير ارض الفلوجة من براثن الشؤوم والرذيلة ببركة فتوى الجهاد الكفائي المقدس ، ليقدموا أرواحهم وأوقاتهم وكثيرا من أقواتهم في سبيل هذه النصرة التي مالبثت باتساع كل يوم، مستمدين زادهم من ايمانهم بالله ورسوله وال بيته الاطهار مئتزرين بدعم أهلهم واخوانهم لينتقلوا من نصر لآخر باذن الله ، فإنما النصر من عند الله ، الذي لو شاء لانتصرمن أعدائه بدونهم ، ومن غير احتياج لهم .

قد يتبادر الى الاذهان ان الجهاد تعوزه القوة المادية في العدة والعدد فحسب ، ولكن يخفى عن الكثير ان القوة الروحية هي الاكثررجاحة للنصر، فالتحلي بالايمان والخلق الفضيل وبذل النفس النبيلة والارادة الماضية الى نيل الرفعة والشهادة في سبيل اعلاء دين الله ، كلها عوامل تبنى عليها الثقة بالنصر والفوزالعظيم ، فالإيمان يعيد تشكيل ما بداخل الإنسان ويغيره ، ليجعل منه شخصا اخر يواجه الشدائد بعزيمة قوية وإرادة لا تنثني ، بل يرتقي بنفسه لتنتصرعلى الهوى ورغبات النفس وشهواتها متجها بها نحو الشهادة في سبيل الدين الحق والدفاع عن المقدسات ، وهذا ما جسده مقاتلوا حشدنا المقدس باستجابتهم لفتوى الجهاد الكفائي التي اطلقتها المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف ، والتي أعادت الثقة للذات العراقية  بعد أن راهن اعداء الانسانية على انها قد تزعزعت ولايمكنها الثبات مرة أخرى ، ولكن ..هيهات هيهات  فهاهي بشائر النصر تلوح في الأفق الواحدة تلو الاخرى من جرف النصر الى بيجي والى والى ...حتى قطع راس الافعى في فلوجتنا الحبيبة ،ليصبح اليوم التصدى لتلك الرايات المشؤومة وماتبقى من حمالها من المرتزقة ، مصدرا للسعادة والسرور من خلال بطولات يسطرها ابناء قواتنا الامنية وحشدنا الشعبي المقدس ، مسلحين بمعنى الإيمان بأكبر فتوى جهادية في العصر الحديث .

هذا المنجز الفني الخطي من ابداع الفنان الباكستاني الفطري " السيد صادقين احمد نقوي " الملقب " صادقين نقاش " من مواليد كراتشي التابعة لاقليم السند في باكستان عام  1930 كان فناناعصاميا وعلم نفسه بنفسه الفن وابتدع اسلوبا فنيا خاصا به لم يسبقه او يتبعه احد قط ، تميزت اعماله الفنية بالتنوع والغرابة فقد كان خطاطا ورساما وشاعرا يستمد اغلب افكار لوحاته من خيالاته الواسعة المتأثرة بالتقاليد والاعراف والحياة الاجتماعية الباكستانية .

يعتبر صادقين واحدا من أفضل الرسامين و الخطاطين في باكستان على الإطلاق ، فهو ينحدر من عائلة  تشتهر بأتقانها الخط العربي وفنونه تم اكتشاف موهبته الحقيقية من قبل الخطاط " حسين شهيد سهروردي " الذي ساعد على تسليط الضوء على اعماله ومن ثم انتقاله الى باريس ليحظى بالشهرة العالمية التي ساعدته على ان يكون مسؤولا عن نهضة الخط العربي الاسلامي في اسيا اواخر عام 1960 ، ومن ثم تواصل ابداعاته في مجالي الرسم والخط العربي والجناس الفني بينهما بأسلوب منفرد تماما .

اللوحة عبارة عن مخطوطة لسورة النصرالمدنية نفذت بتقنيات فنية مختلفة احال من خلالها الفنان الخط العربي إلى لوحة تعبيرية لافتة للنظر، فقد حاول سرد معنى السورة المباركة بأختصار في فضاء المخطوطة وعمقها ، حيث عمد الى خط الاية الكريمة على اللوحة بالوان متباينة والى الخلف منها مجموعة من الرايات الخفاقة متعددة الالوان والاحجام تحملها ايدي المؤمنين ، وكاننا به يصف واقعة فتح مكة وبشرى النصرالعظيم ودخول النّاس في دين اللّه أفواجاً ، مصورا اياها برمال صفراء تنطبق مع زرقة السماء المغبرة بافق كأنه امواج بحرغاضب تهدأ عند كلمات الله التامات وآي من الذكر الحكيم .

 وفق الفنان " سيد صادقين " في ايصال فكرة اللوحة للمشاهد بتعبير مميز يحاكي كل العقول والثقافات ، على الرغم من عمق اللفاظ اللوحة في محتواها ، فقد استطاع كسر الحاجز بين المتلقي واللوحة الفنية من خلال خلق تكامل ووفاق بين الاشكال المرسومة ومضمون اللوحة الفكري الديني لنصل بالتالي إلى اللوحة الفنية التشـكيلية المثالية التي ابتغاها الفنان .

  

سامر قحطان القيسي

المرفقات