لوحةُ أملٍ تستغيث.. اين وجه الله

اين واين ... كلمات ابتدأ بها الموالين المنتظرين تنساب من القلوب الى الاقلام و تخرج عن حبرها فيتجلّى تشكيلا خطّيا و نسجا زخرفيا مذهبا ذي بعد إيحائي روحي ، نرسمه فنرتسم به و نخطه فيتخطانا فيضه ، نـقيم داخلـه فيقيم في افئدتنا لينيـر دربنا و يحفظ خطانا ونحن بانتظار الفرج .

هذا لسان حال المحبين المنتظرين بدعائهم زلفة الى الله تعالى بتعجيل فرج مولالنا صاحب العصر والزمان " عجل الله تعالى فرجه " وهم يعاتبون عتاب المحبين فقد طال الانتظار ، ويستغيثون لخلاصهم ممن عاثوا في الارض ظلما وجورا ، متسائلين متى يرانا ونراه ؟ متى تحيى معالم الدين ؟ متى يكون الفرج ؟ .

مخطوطة مذهبة من ابداع الفنان العراقي " حاكم الخطاط  " اتى بها على هيئة الحلية النبوية الشريفة المعتمدة لدى خطاطي الحروف العربية  ،التي يحرص كل منهم على كتابتها وتجويدها وإبراز مواهبه فيها ، حيث اعتبرت كمقياس لمهارة الفنان في الخط والزخرفة والتذهيب ، هذه الحلية ذات شكل هندسي، بدأها الفنان بمستطيل تدنوه دائرة كبيرة اعلى الحلية ومن حولها أربع دوائر صغيرة  يدنوها مستطيل اخر في الأسفل، وتضمنت هذه المخطوطة جزءا يسيرا من دعاء الندبة الذي يعمق في نفوس الموالين أمل الانتظار المرتبط بالامام الحجة ابن الحسن " عجل الله تعالى فرجه الشريف " موزعا  كلماته بين اشكال اللوحة ذات التصميم الهندسي المذهب و المزخرف بوحدات زخرفية متنوعة .

ارتبط فن التذهيب في الحضارة الإسلامية بفني الزخرفة والخط العربي بشكل عام ،فقد كان هناك اتصال وثيق بين كتابة وتحرير الكتب بخط اليد و استخدام فن التذهيب في تلوين وتذهيب حواشي الكتب المهمة في تاريخ الحضارة الإسلامية وبالخصوص في القرون الوسطى ، حيث كان المزينون للصفحات المكتوبة يعدون من أرفع الفنانين قدراً وأعظمهم شأناً، لا سيما في القرنين التاسع والعاشر الهجريين، فكانت منجزاتهم على درجة عالية من الإتقان والدقة وتوافق الألوان ، وعلى وجه الخصوص اعمال التذهيب التي عدت من أرفع الفنون بعد تجويد الخط العربي، وكان المصورون الذين يتقنون فن التذهيب يدأبون الى أن يضاف إلى أسمائهم لفظ " مُذهِب " كصفة يعتزون بها ضمن ابداعاتهم .  

فقد انبرى الكثير من الفنالنين المذهبين على إظهار البراعة والإتقان في زخرفة وتذهيب المصاحف وشجعهم على ذلك إقبال العديد من العلماء والفقهاء على تعلم فن التذهيب إلى درجة الإتقان والاحتراف ، حيث وصل بهم الأمر إلى تذهيب جلود المخطوطات التي كانت آية من آيات الدقة والمهارة الفنية ائذاك ، وكان المصحف محل إجلالهم وتقديرهم  ، فكتبوه على صفائح الذهب والفضة  وطرزوا آياته على الحرير والديباج بخيوط من الذهب والفضة وزينوا بها محافلهم ومنازلهم، ونقشوها على جدران المساجد والمجالس ،حتى بلغت المصاحف التي ذُهِبت في القرنين الرابع والسادس الهجريين درجة عالية من الناحية الفنية والجمالية ، حيث كانت تذهّب وتزين بأدق الرسوم والزخارف الاسلامية ، وتجلت براعة المذهبين في زخرفة الصفحتين الأولى والثانية من المصحف الشريف ، وكذلك في الصفحتين الأخيرتين ، باستخدام ماء الذهب مع الألوان المختلفة ، وخاصة الأزرق الفيروزي ، كما عمد بعض المذهّبين بتذهيب المصحف بشكل كامل ، وهناك من اكتفى بتذهيب صفحات منه دون غيرها ، مثل تذهيب سورة الفاتحة وأول سورة البقرة، وحول سورة الإخلاص والفلق والناس وغيرها من قصار السور .

استمر تذهيب وتزيين المصاحف بشكل متواصل طوال عصور ازدهار الحضارة الإسلامية حتى وقتنا الحاضر ، حيث استخدمت الوحدات الهندسية والنباتية في الزخرفة بشكل متناسق وإيقاع جميل ذي تكامل لوني وبشكل تطوري ، الأمر الذي حدا بهذه الزخارف وصناعها لتزيين وتجميل الجدران والأسقف والقباب وبعض العقود الإسلامية ضمن سلسلة تطور العمارة الاسلامية في المشاهد والاظرحة الدينية المقدسة ، مما يؤكد على إسهام المصحف الشريف وروحانية العقيدة الاسلامية في تطور الفنون الإسلامية وانتشارها بشكل اكبر .

استخدمت الألوان الزاهية في تزيين المصاحف والمخطوطات الاسلامية المميزة ، وأوجد العرب هذه الألوان منذ القدم من مواد مختلفة ، فمنها ما صنع من مصادر نباتية كالحناء والبن والأرز والورد وغيرها ، ومنها ما هو مصنوع من الأحجار الكريمة بعد سحقها والتي امتازت عن باقي الالوان الاخرى بالثبات وعدم التغير بعوامل الزمن ، فقد كانت مساحيق هذه الأحجار تخلط بالصمغ والماء المستخلص من الورد ، فضلا عن الأتربة المصفاة لتصبح جاهزة لتزيين المخطوطات .

اما التذهيب فهناك نوعان رئيسيان يستخدمان في تذهيب المخطوطات هما " المطفّى واللماع " ، أما المطفّى فيتم بلصق الأوراق الذهبية الرقيقة في مواضع التحلية او التزيين ،اما الاخر " اللماع " فيكون عن طريق التلوين المباشر بماء الذهب، ويتم الحصول على ورق الذهب عبر إذابة معدن الذهب وترقيقه إلى درجة يتشابه مع الورق، ثم يقوم الفنان أو المذهب بإذابة ورقة الذهب في الماء مع إضافة مادة صمغية لضمان تماسك تركيبتها.

 ولكي يتم تذهيب شيء ما بأشكال ورسوم محدودة وجميلة، يقوم المذهّب بداية برسم الشكل المطلوب على ورقة ما ، ثم يضع الشكل فوق لوح من مادة الزنك او احد المعادن ذات المطاوعة " قليلة الصلابة وقابلة للطي "، ويقوم بعمل ثقوب بالإبرة فوق مسار الشكل ، ثم يأخذ الشكل المثقب ليوضع فوق الأرضية المراد تذهيبها ، ثم يتم ملء الثقوب بمادة صمغية ترابية لترفع الورقة المثقبة من فوق الأرضية واللوح لتظهر حدود وهيئة الشكل المطلوب واضحة فيتم ملء خطوط الشكل والنقط بماء الذهب أو بالوان ذات قوام ذهبي ليكتمل بذلك الشكل بأكمل حليته .

 إن الإيمان بوحدانية الله "عز وجل " عمل على توسيع مدارك وتصورات وذائقة الفنان المسلم ، حيث لفت انتباهه نحو عالم أزلي سرمدي يستحق العمل والرجاء بقصده ، ولأن التوحيد احد أهم أصول الدين الإسلامي ، فانه غدا الهوية المميزة التي تتجلى صورتها في جميع انجازات الحضارة الإسلامية ومن بينها الأعمال الفنية بشتى انواعها ، فتحوير الواقع وتجريده  أصبح من أهم صفات الأعمال الفنية الإسلامية ومنها الخط والزخرفة الاسلامية في ظل فكرة التوحيد والاقرار بالعبودية لله الواحد الاحد .

سامر قحطان القيسي

المرفقات