سارت مواكب المعزين فوق المستحيل وتحدّت الأخطار لتستنشق روح الإمامة وتستلهم معنى الكرامة والصبر عند الصابر الأمين موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) فأسرت أرواحها حمائم في نهر روضته ..
العمل الفني أعلاه من إبداعات الفنان التشكيلي العراقي الدكتور (صبيح كلش)، وهو من الأعمال الفنية المميزة التي تستحق أكثر من وقفة تأملية لما فيه من تمثل ومحاكاة واقعية تم ترحيلها بمهارة عالية الى أمثولة بصرية تتعدد فيها الإمكانيات الرمزية الرمزية، فهو محاكاة لفاجعة جسر الأئمة المعروفة التي راح ضحيتها عدد كبير من الموالين المعزين في ذكرى استشهاد الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) .
لخص كلش الحادث المأساوي لفاجعة جسر الأئمة بعمل فني مكتمل العناصر جسد فيه مأساة صامتة تقنياً تضجّ بحركة لونية عمد إلى توليفها ببراعة وحرفية عاليتين .
استخدم الفنان في هذا المنجز الابداعي الأسلوب التجريدي بلمسة تقترب من الواقعية، حيث وزّع الفنان المساحات التي ضمّت مفردات المشهد بشكل متوازن، معتمداً التناظر والانسجام بين المفردات التي توزعت على مساحة المشهد الرئيسية، مما أكسب المشهد قيمة جمالية روحية عالية ، فيتجلى للمشاهد من الوهلة الاولى
شكل القبة ولونها الذهبي الذي شغل المركز السيادي الأول في المنجز ، فهو مركز الإهتمام البصري الذي تجمّعت من حوله الأشكال الأخرى، فيما كانت أشكال الشخوص الهاوية هي الشكل السيادي الثاني في المشهد .
لقد انسجمت وتجانست الأشكال والألوان فيما بينها محققة الحركة الإيقاعية المنتظمة لمكونات المشهد وأكسبته قوة تعبيرية عالية ، فلو تفحصنا المشهد بدراية لوجدنا أن الفنان يمتلك خبرة جمالية عالية اتضحت جلية من خلال تحسسه لجمالية الأشكال بكل تفاصيلها وأجزائها، وأيضاً من خلال متابعته للظل والضوء والملمس وتنفيذها بحسابات دقيقة ، فيوظف كل لمسة ضوءاً توظيفاً يخدم العلاقات التشكيلية غير المنظورة بين المساحات اللونية والكتل والخطوط ، فضلا عن تحقّق الفنان الوحدة في التنوع خلال انسجام مفردات المشهد وارتباطها بعلاقات شكلية مؤتلفة على الرغم من تباين ألوانها لتوحي بقيمة تشكيلية جلية للمشاهد .
وظف الفنان الرموز الإسلامية المتمثلة بشكل القبة الذهبية وما توحي به من دلالة روحية ودينية، فهي ذات علاقة وطيدة بموضوع المنجز وهي مركز الحدث الأصلي ، فالفنان يستخدم أشكال الرموز الإسلامية ليصور فكرة الحدث المأساوي الذي تعرض له الموالين أثناء تأديتهم لمراسيم زيارة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) ، فالحدث ومن خلال المنجز يروي قصة تساقط الشخوص من مكان شاهق وهو الجسر الذي يقع فوق مساحة زرقاء وهو الماء، كما أكد الفنان على تساقط الشخوص باتجاه شكل القبة التي تمركزت أسفل المشهد، وكأنه يريد أن يوصل للمشاهد فكرة مضمونها أن هؤلاء الاشخاص أرادوا الوصول إلى هذا المكان حتى بعد سقوطهم من الجسر.
وظف الدكتور صبيح الخطوط العربية والنقوش الزخرفية في أعلى المشهد على الرغم من عدم وضوحها إلا أنه أجاد في جعلها تحمل رسالة إيصالية ووظيفة رمزية تؤكد القوة الروحية للإسلام فضلاً عن تقويته الجانب الرمزي والجمالي بما يحمله من جمالية الشكل والمضمون ، كما اعتمد الفنان استخدام أشكال النوافذ في الأسفل وعلى الجانبين بتشكيله لتكوين زخرفي هندسي عبر استخدام مبدأ التكرار في شكل النوافذ ليعطي المشهد إيقاعاً جمالياً .
ومن الجدير بالذكر أن الفنان قد حاول جاهداً إيجاد علاقة نفسية بين شكل الرمز والمضمون في هذا العمل الفني وهذا ما جعله يستثمر فكرة الرجوع إلى الماضي اعتماداً على مخزون الذاكرة الجمعية للمجتمع والفردية للفنان بتأريخيتها ليسترجع الموروث المؤثر في الذاكرة وصياغته في مشهد تصويري مميز جمع فيه الرموز الإسلامية بتآلف وتآزر ليفصح به عن دلالات دينية واجتماعية تخص المجتمع العراقي وتعبر عن طقوسهم وشعائرهم المقدسة المتمثلة بمراسيم الزيارة للأماكن المقدسة .
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق