كأن الفنان في هذه اللوحة يصور الإمام الحسين عليه السلام حينما جرد سيفه وشَدَ على من اصابتهم لعنة الله شَدَةَ ليث غاضب بعد ذبحهم الرضيع عبد الله سلام الله عليه فلاذوا فراراً من امامه واحاطوه والمخيم من وراءه بخبثهم وجبنهم ، مستوحيا ذلك من واقعة الطف وتراكم تفاصيلها في ارض كربلاء ، فصوَرَ الفنان هذا المشهد المجتزأ من معركة الطف الخالدة مجسداً أشخاصاً كُثر في حركات مختلفة يتوسطهم الإمام الحسين عليه السلام وهو يمتطي صهوة جواده ممثلاً مركز السيادة في البنية الكلية للعمل الفني لقاء الاشكال الاخرى المكونة له .
رسمت هذه اللوحة في القرن الثامن عشر الميلادي ولم يعرف تأريخ دقيق لتنفيذها سوى انها من منجزات الفن الفارسي واطلق عليها فيما بعد تسمية ( رسمة فارسية )التي تناولت معركة الطف في يوم عاشوراء ،حاول الفنان من خلال هذا السطح التصويري الاحاطة بجو المعركة من خلال اكساب اللوحة بعداً منظوريا ، مقتطعا اللوحة الى جزئين يمثلان الاول الارض كساحة للمعركة تحت وطأة السماء التي نراها كجزء ثانٍ وقد عمد الى جعل شخصية الامام الحسين عليه السلام محورا للوحة ومنطلقاً لباقي الاشكال المستلهمة من واقعة الطف بصورة مباشرة مستثمراً جميع مدركات الإبداع التي تنغمر في ذاكرته، فيلاحظ ومن خلال الوان اللوحة أن الفنان استخدم الالوان الفاتحة في ابراز الشكل الاساسي للوحة متمثلا بشخص الامام عليه السلام الى امام اللوحة فضلا عن استخدامه للالوان الغامقة لباقي تكوينات اللوحة بما فيها السماء ، مما اكسب اللوحة وبالخصوص السماء حزنا واجواء مشحونة بجو الحرب ورائحة غبارها .
تعكس هذه اللوحة الرؤية الواقعية للفنان في معالجة مكونات اللوحة فيتضح للمتلقي ان هنالك مستويات مختلفة للحركة موجودة في ثناياها، ففي الجزء العلوي منها تظهر السماء بتداخلات لونية بدأً من اللون البني الغامق تدرجاً الى اللون البني الفاتح الممزوج بضوء الشمس مرورا باجزاء الافق الواضحة ، ثم تاتي المفردة الرئيسية الممثلة بشخص الامام الحسين عليه السلام وهو يمتطي صهوة فرسه عبر تزامن لحركة جسمه مع جسم الحصان لتتفاعل مع فضاء المشهد وشخوصه ، حيث نرى شخص الامام الحسين عليه السلام وهو شاهر سيفه قد خرج عن اللوحة وتداخل مع مساحة من السماء مما اكسب الشكل بروزا اكثر في اللوحة ، وكذا الحال في باقي اجزاء الجسم التي التحمت مع الفرس وتداخلت اجزاءه مع ارضية العمل بتدرج لوني مميز مظهراً به حركات الاشخاص الاخرين عن طريق ايحاء الرياح والغبرة الناتجة عن القتال بلون ترابي متصاعد من حركة الخيل والرجال مما يجعل اللوحة تقترب من الواقع حيث تخفى اجزاء من الاشكال والاجساد المتحركة في اجواء اللوحة وهذا ما نلاحظه في الاشخاص المحيطين بالامام الحسين عليه السلام وتداخلهم مع الغبار والافق البعيد مما يحيد عن تمييز بعض من ملامحهم واجسامهم التي اكسبها الفنان مزيجا من الالوان الغامقة تتراوح مابين الاسود والبني الغامق وهذا يتكرر ويزداد كلما توغلنا في عمق اللوحة اكثر وصولا لمستوى الافق .
نلاحظ في هذا المنجز الفني ان الفنان كان مُسيطراً علـى اللـون بعُمق فبه استطاع ان يوصل رسالته الى المتلقي ،فالألوان التي استخدمها الفنان متقاربة جدا، فقد استخدم البني الممزوج بالأبيض والأوكر وكذلك الاسود الممزوج بالابيض والابيض الخالص مع بعض الظلال في ملابس شخوص اللوحة ، حيث احاطت هذه الأشكال كلها شخص الامام الحسين عليه السلام في الوسط فأصبح هو مركز السيادة والاستقرار في اللوحة .
سامر قحطان
اترك تعليق