ركضة طويريج .. نظرة تأريخية

موكب عزاء طويريج أو ركضة طويريج وهو أكبر عزاء حسيني في العالم، ينطلق في يوم العاشر من محرم الحرام بعد صلاة الظهرين من منطقة (قنطرة السلام) والتي تقع إلى الشرق من مدينة كربلاء المقدسة على بعد 2كليو متر، وهي مدخل مدينة كربلاء من جهة طويريج.

ويتولّى علماءُ دينٍ من آل القزويني، ووجهاء مدينة طويريج من آل عنبر، وعشائر بني حسن، وآل فتلة, والدعوم، الإشراف على هذا الموكب بمساعدة أهالي المدينة .

وتُعدُّ هذه الشعيرة من شعائر يوم عاشوراء، والتي يهرول فيها المعزّون صوب حرم الإمام الحسين(عليه السلام)، إعلاناً وتعبيراً منهم عن النصرة والولاء لأبي الأحرار(عليه السلام)، وتلبيةً لناعية الحسين(عليه السلام) وهو ينادي: (ألا هل من ناصر ينصرنا.. ألا هل من ذابٍّ فيذبُّ عنا..)، لذلك فإن من الشعارات التي يرفعها المعزون: (لبيك يا حسين) و(يا لثارات الحسين).

وعزاء طويريج يبدأ بالمسير صباحاً، انطلاقاً من مدينة طويريج (قضاء الهندية) الواقعة على بعد 20كيلو متراً عن كربلاء المقدسة, حيث يتوجّه المشاركون فيه إلى مدينة كربلاء المقدسة سيراً على الأقدام ليصلوا قبل الظهر على مشارف المدينة في منطقة قنطرة السلام، حيث تُقام صلاة الظهر هناك جماعةً لينطلق الموكب إلى داخل المدينة المقدّسة، ويشارك فيه مئات الآلاف من المعزين من أهالي مدينة طويريج بالإضافة إلى أهالي كربلاء الذين يوافونهم في تلك المنطقة وكذلك الزائرين الوافدين لإحياء مراسيم زيارة العاشر من محرم وهم يهتفون: (أبد والله ما ننسى حسينا) و (وا حسين), وما إليه من الشعارات الحسينيّة والهتافات الولائية، إلى أن يصلوا المخيّم الحسيني ومن ثم إلى حرم سيد الشهداء(عليه السّلام), ومنه إلى حرم أبي الفضل العباس(عليه السلام).

ولهذا العزاء تاريخ طويل ومشاركة كبيرة من الموالين والمحبّين للإمام الحسين(عليه السّلام)، ويُروى في إحدى السنوات كان المرحوم العلاّمة السيد مهدي بحر العلوم قد ذهب يوم العاشر من محرّم إلى مدينة كربلاء المقدّسة بصحبة عدد من طلبته وخواصّه، فوقف على مشارف المدينة لاستقبال الموكب الحسيني القادم من مدينة (طويريج) التي يفصلها عن كربلاء حوالي أربعة فراسخ، حيث يُعدّ هذا الموكب من أشهر المواكب وأكثرها حرارة إلى درجة أنّ نمطاً من أنماط العزاء الحسيني ما زال مشتهراً باسم (عزاء طويريج)، نسبة إلى هذه المدينة التي كان يخرج منها مئات الألوف من الرجال والنساء والأطفال وهم يبكون ويندبون ويلطمون على سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) .

وكان الرجال يسيرون حفاة الأقدام، حاسري الرؤوس، وهم يلطمون أنفسهم بقوّة وحرارة على وقع المراثي كالمفجوعين توّاً، ممّا يزيد الأسى واللوعة بمصاب سيد الشهداء(عليه السلام)، كما إنّ مدينة كربلاء المقدّسة تتحول إلى حالة من الحزن والأسى في كلّ أرجائها من وقع هذا الموكب وصداه .

وعندما اقترب الموكب إلى حيث كان يقف السيد مهدي بحر العلوم تفاجأ الذين من حوله بقيامه فجأة بإلقاء عمامته, وخلع قميصه, وقد انفجر من شدّة البكاء وغاص في وسط الموكب بين الجماهير المعزية، وهو يلطم بشدّة وقوّة, وهو ينادي ويصيح: وا حسيناه ! وا حسيناه !

وقد تعجّب هؤلاء الذين كانوا من المقرّبين إلى السيد من قيامه بهذا التصرّف بغتة، بينما لم يُعهَدْ عنه مثل ذلك أبداً، وما كان من هؤلاء من سبيلٍ سوى أن يدخلوا مع السيد في الموكب، فأحاطوا به من كلّ جانب، خشية أن يصيبه مكروه، أو يُداس بالأقدام وسط أمواج هذا الموكب المهرول الكبير .

وطوال تلك الفترة رأى هؤلاء من السيد بحر العلوم ما زاد من تعجّبهم ودهشتهم، إذ وجدوه على حالة لم يرَوْها منه من قبل، فقد كان يضرب نفسه بقوّة وشدّة وجزع, وهو يبكي ويصيح بأعلى صوته من دون أن يشعر بما حوله، وكان حقّاً كالذي فقد عزيزاً الساعة .

وانتظر هؤلاء انتهاء الموكب والدهشة قد ملأت عقولهم، وبعد انتهاء مراسيم العزاء وانفضاض الجميع، عاد السيد بحر العلوم إلى حالته الطبيعية، ولكنّه كان شاحب الوجه, منهكاً من شدّة التعب، ولم يكن يقوى على النهوض, فسأله المحيطون به منكرين: سيدنا, ماذا جرى لكم حتّى دخلتم هكذا فجأة ومن دون اختيار في موكب عزاء طويريج كأحدهم؟!

فنظر إليهم السيد وانهمرت دموعه على خديه وقال: لا تلوموني, ولا ينبغي لكم أن تلوموا أحداً من العلماء إذا ما قام بذلك؛ فإنّني ما إن اقترب منّي الموكب حتّى رأيت مولاي صاحب الأمر(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) حاسر الرأس, حافي القدمين, وهو يلطم ويبكي مع اللاطمين والباكين، فلم أحتمل المنظر, ودخلت في الموكب ألطم صدري مع الإمام(سلام الله عليه).

المرفقات