بين السنة والشيعة .. هل الواجب في الوضوء المسح على القدمين أو غسلهما ؟

  - أهل السنة والجماعة يغسلون أرجلهم عند الوضوء ولا يمسحون عليها .

- بينما الشيعة الإمامية يمسحون على أرجلهم .

وهاهنا نسأل : أي من الفريقين في هذه المسألة يمثل المذهب الحقّ بينما يمثل الآخر المذهب البدعي ؟؟!!

لا نطيل  الكلام  هنا ونذهب مباشرة إلى القرآن الكريم الذي شرّع لنا هذه الفريضة .. يقول تعالى في سورة المائدة ، الآية 6 : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ }.

قال ابن حزم في ( المحلى ) : ( مسألة : وأما قولنا في الرجلين فإن القرآن نزل بالمسح . قال الله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم } وسواء قُرِأ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال عطف على الرؤوس : إما على اللفظ وإما على الموضع ، لا يجوز غير ذلك . لأنه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة . وهكذا جاء عن ابن عباس : نزل القرآن بالمسح - يعني في الرجلين في الوضوء - وقد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السلف ، منهم علي بن أبي طالب وابن عباس والحسن وعكرمة والشعبي وجماعة غيرهم ، وهو قول الطبري ، ورويت في ذلك آثار . منها أثر من طريق همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثنا علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه - هو رفاعة بن رافع - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم يقول : إنها { لا تجوز صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل ثم يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين } . وعن إسحاق بن راهويه ثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن عبد خير عن علي " كنت أرى باطن القدمين أحق بالمسح حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم يمسح ظاهرهما " )(1) . انتهى

إذن فالقرآن الكريم جاء بالمسح لا الغسل ...فمن أين جاء الحكم بغسل الرجلين عند القوم يا ترى ؟؟!!

قالوا : جاءنا من الروايات ... ولا أريد هنا أن أطيل الكلام في مناقشة دلالة هذه الروايات أو أسانيدها .. بل أريد أن أسأل سؤالا واحدا فقط  وأقول : هل معنى كلامكم هذا  أن حكم المسح الذي جاء به القرآن الكريم هو منسوخ عندكم بحكم الغسل الوارد من السنة التي تروونها أم  ماذا ؟؟!!

فإن قالوا : نعم ، هو منسوخ بحكم السنّة التي جاءت بالغسل ، فهم بذلك يكونون قد خالفوا ما عليه القرآن الكريم وأقوال أئمتهم وعلمائهم المتقدّم ذكرهم في هذا الجانب .

فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } (2) ...ومن الواضح جدا ان السنة لا تساوي القرآن الكريم ولا تكون خيرا منه.

وسئل الإمام أحـمد : تنسخ السنّة شيئًا مِن القرآنِ ؟ قـال :" لا يُنْسَخُ القرآنُ إلاّ بالقرآنِ ".(3)

وعن الشافعي : :" وأبانَ الله لهم أنّه إنّمَا نسخَ ما نسخَ مِن الكتابِ بالكتابِ ، وأنّ السنّةَ لا ناسخة للكتابِ وإنّمَا هي تَبَعٌ للكتابِ ".(4)

وجاء عن ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى ) : ( وهم إنما كانوا يقضون بالكتاب أولا لأن السنة لا تنسخ الكتاب فلا يكون في القرآن شيء منسوخ بالسنة بل إن كان فيه منسوخ كان في القرآن ناسخه فلا يقدم غير القرآن عليه) .انتهى (5)

وهذا الكلام لهؤلاء الأعلام من أهل السنة - كما تراه - لم يفرق بين عدم جواز نسخ السنة للقرآن ، سواء كانت من أخبار الآحاد أو كانت متواترة ، فكل ذلك ممنوع عندهم ، بل حتى لو فرض أنّه وجدنا من أهل السنّة من يقول بجواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة - كما هو المنقول عن أبي الحسن الأشعري مثلا - فهو مجرد فرضية لم يثبت لها واقع خارجا كما يصرح بذلك ابن تيمية ..

يقول ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى ) :" وبالجملةِ فلَمْ يثبت أنّ شيئًا مِن القرآنِ نُسِخَ بِسُنَّةٍ بلا قرآنٍ " .(6)

هذا فضلا عن عدم ثبوت التواتر للأخبار المعارضة لحكم المسح في القرآن .. بل هي أخبار آحاد كما شهد به الرازي وغيره .

قال الرازي في ( مفاتيح الغيب ) : ( فثبت أن قراءة وأرجلكم بنصب اللام توجب المسح أيضا ...ولا يجوز دفع ذلك بالأخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد ، ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز ) .(7) انتهى

هذا ، فضلا عن معارضة هذه الأخبار الآحاد بأخبار كثيرة من السنة نفسها ورد فيها لزوم المسح على الرجلين ، كالحديث الوارد عن رفاعة بن رافع أنه كان جالسا عند رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم فقال : إنّها لا تتم صلاة لاحد حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين . (8)

فلاحظ قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هنا : ( إنّها لا تتم صلاة أحد حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله ) .. فالمسح على الرجلين هو أمر الله تعالى، وبدونه لا تتم الصلاة ، وهذا يعارض دعوى بأنّ الشريعة جاءت بالغسل للرجلين كما يزعم البعض  ..

وقد علق الشيخ الألباني في ذيل هذا الحديث على قول المنذري ( رواه ابن ماجة باسناد جيد ) : ( وهذا يوهم أنه لم يروه من السنة سوى ابن ماجة ، وليس كذلك ، فقد أخرجه ابو داود والنسائي والدارمي ، واسنادهم على شرط البخاري ، وصححه الحاكم 1: 241على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، هؤلاء أخرجوه في حديث المسيء صلاته ) .(9)

وبالتالي ستتعارض الروايات  عند أهل السنة أنفسهم ( لأن بعضها يقول بالغسل وبعضها يقول بالمسح ) ، وعند التعارض المستقر وعدم إمكان الجمع بين المتعارضين يصار إلى تساقط المتعارضين معا عن الحجية ، وحيث تساقطت الأخبار يكون المرجع هو كتاب الله العزيز الوارد فيه حكم المسح لا الغسل وبذلك يثبت المطلوب ، أي يثبت لزوم المسح دون الغسل ..

محاولة الرازي بالجمع بين المتناقضين في المقام :

نعم ، هناك محاولة سمعناها من الفخر الرازي ، جاء فيها : ( أن الغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس ، فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط ، فوجب المصير إليه ).(10)

أقول : هذا الكلام - في الواقع - غريب  من الفخر الرازي ؛ خاصة وهو المتضلع في المفاهيم والمعاني ؛ لأن الغسل والمسح مفهومان مختلفان ( وجودي وعدمي ) ، وأحدهما غير الآخر ، فالغسل قد أخذ في مفهومه سيلان الماء على المغسول ولو قليلا ( أي وجود سيلان للماء ) ، وأما المسح فقد أخذ في مفهومه عدم السيلان والاكتفاء بمرور اليد على الممسوح ( أي عدم وجود سيلان للماء ).. وعليه ، فكيف ساغ للرازي أن يجعل المفهومين المختلفين - الوجودي والعدمي ؛ إذ أحدهما يشترط وجود السيلان والثاني عدمه - ضمن حقيقة واحدة ينبغي إيجادها خارجا ؟؟!!

نعم مقتضى الاحتياط هو الجمع بينهما على نحو الترتيب ، بحيث يمسح المتوضيء رجليه أولا ثم يغسلهما ،ولكن هذا الجمع هو فرع ثبوت حجية أدلة الغسل في مرحلة سابقة ، وقد تقدّم أنّ هذه الأخبار هي أخبار آحاد معارضة لظاهر القرآن الكريم الذي جاء بالمسح ، فهي لا حجيّة لها من هذه الناحية وزخرف ينبغي ضربه عرض الجدار .

 

الكاتب: الشيخ خالد السويعدي

________________________

 

(1)المحلى 2: 56.

(2)البقرة : 106.

(3)جامع بيان العلم وفضله 2 : 564.

(4)الرسالة للشافعي :106 .

(5)محموع الفتاوى 19 : 196.

(6)مجموع فتاوى ابن تيمية 20 : 398 .

(7) مفاتيح الغيب 11: 161.

(8)صحيح الترغيب والترهيب - محمد ناصر الدين الألباني : 208 .

(9) صحيح الترغيب والتهذيب : 208.

(10) تفسير الرازي 11: 161.