في شهر رمضان .. فرصة لمن لم يشارك في الحشد الشعبي

قد يظن الإنسان أنه لا يمكن لأي عدو منازلته وان كان اقوى منه، غير انه قد يجد نفسه في غفلة من امره، حيث انّ الاستهانة بالعدو قد تكون سبب هلاكه؛ نتيجة استهانته المتمخضة عن غفلته، ومن هذا القبيل الاستهانة بصغائر الذنوب التي حذر منها ائمتنا عليهم السلام اذ بها تتحول الذنوب من الصغائر الى الكبائر.

 فقد ذكر ثقة الاسلام الشيخ الكليني في الكافي رواية عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.

وعليه فان الانسان يشعر في قرارة نفسة انه يخوض منازلة كبرى ضد شهواته واهوائه يكون موقفه فيها موقفا دفاعيا لردعها كي يتقي هزيمتها التي لا تقل قيمة عن وقائع خارجية حقيقية تحدث في ساحات الجهاد الاصغر الذي جاء وصفه على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله في رواية عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام ) أنَّ النَّبي بعث سريَّة فلمَّا رَجَعوا قال : «مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر ، وبقي عليهم الجهاد الأكبر » ، فقيل : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وما الجهاد الأكبر ؟ قال : « جهاد النَّفس ». (وسائل الشيعة ، ج11 ).

وفي الحديث اشارة الى اهمية مجاهدة النفس والتضييق عليها والابتعاد عن اهوائها لما بهما من صلاح النفس والفوز بالجنان، قال تعالى في محكم كتابه الكريم { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)}(النازعات اية 40-41) هذه الآية الكريمة تصرح بان نهي النفس عن أهوائها يتيح لها الفوز بالجنان.

والجهاد الاكبر: هو مجاهدة النفس وترويضها لتسيرعلى منهاج النبي الاكرم- صلى الله عليه واله-واهل بيته (عليهم السلام) فتسلك سبل النجاة يوم القيامة كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: (وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الفزع الأكبر وتثبت على مزالق المحشر).

لذا فان من الفرص العظيمة التي يجب الاستعداد لها لخوض هذا الجهاد العظيم هو ايام شهر رمضان المبارك الذي طالما أخبرتنا الاحاديث الشريفة على اغتنامه بافضل الصور الممكنة، منها :

ما روي عن رسول الله(صلي الله عليه و آله):

1- الصوم فى الحر جهاد. (بحار الانوار، ج ٩٦، ص ٢٥٧)

وفي الحديث اشارة الى ان اعلى مراتب الجهاد هو جهاد النفس كما ورد في بعض الروايات ان افضل الاعمال احمزها، فظاهر الرواية ان اقتران الصيام مع شدة الحر يترتب عليه اجر مضاعف، روي في الكافي الشريف عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: من صام لله عزوجل يوما فى شدة الحر فاصابه ظمأ وكل الله به الف ملك يمسحون وجهه و يبشرونه حتى اذا افطر.(الكافى، ج ٤ ص ٦٤ ح ٨؛ بحار الانوار ج ٩٣ ص ٢٤٧).

وفي مضاعفة العمل الصالح في شهر رمضان روي عن الامام الصادق عليه السلام انه قال لما سئل: كيف تكون ليلة القدر خيرا من الف شهر؟ قال: العمل الصالح فيها خير من العمل فى الف شهر ليس فيها ليلة القدر(وسائل الشيعه، ج ٧ ص ٢٥٦، ح ٢).

وروي ايضا عن الامام الرضا عليه السلام انه قال: (من قرأ فى شهر رمضان اية من كتاب الله كان كمن ختم القران فى غيره من الشهور). (بحار الانوار ج ٩٣، ص ٣٤٦) .حيث دلت هذه الرواية على مضاعفة اجر العمل في شهر رمضان.

2- وعن سيد الموحدين و اميرالمومنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)

الصيام اجتناب المحارم كما يمتنع الرجل من الطعام و الشراب. (بحار ج ٩٣ ص ٢٤٩).

فشهر رمضان باحكامه وشروطه خير معين للانسان على اجتناب المحرمات فضلا عن اجتناب المفطرات من الطعام والشراب، فالصيام عامل مساعد على حبس النفس كما روي عن الامام علي (عليه السلام) : ( املكوا انفسكم بدوام جهادها )(غرر الحكم ودرر الكلم) اذن فمن مصاديق الجهاد حبس النفس عن المحرمات.

ومن جميع ما تقدم يتولد لدينا الاحساس في ضرورة عدم تفويت هذا الشهر العظيم الذي لا تحصى فضائله، والتي فاقت فضل المجاهدين في ساحات الجهاد كما وصفها نبي الاسلام صلى الله عليه وآله بالجهاد الاصغر في قوله:(مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر ، وبقي عليهم الجهاد الأكبر) وهنا يكمن ما نوهنا اليه في عنوان المقالة الا وهو فرصة اغتنام المشاركة في هذا الجهاد العظيم من خلال صيام شهر رمضان المبارك، فانها قد تكون الاخيرة في حياتنا، روي عن سيد الموحدين الامام علي عليه السلام انه قال: (انتهزوا فرص الخير ، فإنها تمر مر السحاب)، وعنه عليه السلام (أشد الغصص فوت الفرص)(موسوعة كلمات الامام علي (ع))؛ لذا علينا اغتنام فرصة الاستعداد لصيام الشهر الفضيل قبل حلوله لنيل ثواب الجهاد الاكبر حسبما صورته لنا الروايات اعلاه المتمثل بالعمل الصالح والبر والاحسان والكثير من الطاعات والقربات، فلنكن حريصين على عدم فواته وفوات فضائله الجمة .

 

الكاتب: قيس العامري