العدْل لُغة هو المُساواة والعُدول, واصطلاحاً فهو يعني تحقْيق الحقْ بين النّاس، وعدم التمييز بين غنيٍ ولا فقير، ولا بين شريف ذي عزٍ وجاه وسند وآخر ليس له إلّا نفسه في هذه الحياة.
فليس للقضاء ان يميز بينهُم حين يصدر الحُكم عليهم، فكُلٌ يٌؤخذ منهٌ كلامُه حتى نهايتُه.
والقضاء العادل له أثر ايجابي في المُجتمع، فإنْ حكم بين النّاس بالعدل كان له الأثر الكبير في بناء هذا الوطن اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا, الا ان المصيبة تكمن فيما إذا ميّز هذا القضاء في اصدار أحكامه بين ذوي النفوذ من المسؤولين ووزراء الدولة الذين ثبتت بحقهم جرائم الاختلاس والسرقة من أموال الشعب العراقي بحيث يبدي تعاطفه معهم ويحابي في اصدار حكمه عليهم على حين أنه يصدر حكمه بصرامة ويطبق القانون بحذافيره في حق سارق فقير.
أليس العدل في القضاء والبعد عن الظلم هو أول ما تعلّمه القضاة وأقسموا على صون شرف هذه المهنة التي تُعدّ من أخطر المناصب في الدولة ؟.
ونحن نرى اليوم السلطة القضائية وهي تصدر احكامها ببراءة بعض المسؤولين العراقيين الذين ثبتت بحقهم جرائم سرقة أموال الشعب , ومن جهة تصدر حكما بحق طفل فقير يبلغ من العمر تمانية سنوات بعد اقدامه على سرقة أربعاً من علب مناديل ورقية (كلينكس) بالحبس لمدة سنة , فأين العدل والمساواة ؟! فلماذا لا يحكم القضاء على السارق الوزير كما يحكم على السارق الفقير؟!!
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " إنما اهلك الذين قبلكم ؛ انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد" .
وهذه الرواية تتحدث عن العواقب الوخيمة جراء هذا الانحراف الذي اتسمت به السلطة القضائية, فالأمم السابقة كانت تفرّق في تطبيق القانون الذي يراد من خلاله تحقيق العدالة بين الناس حتى يأخذ كل ذي حق حقه ويتم معاقبة المنحرف عن خط العدل والمتخلف عن القانون مهما كان موقعه وصفته في المجتمع .
فإبادة بعض الامم الغابرة واندثارها كان سببه ذلك الانحلال والانحراف المتسرب الى السلطة القضائية التي تخلت عن الحكم بالعدل والمساواة بين أفراد المجتمع لمصالح لا تخرج عن دائرة النفع الشخصي, فمن كان بموقع اجتماعي او ديني او عشائري او اقتصادي او سياسي ، فهو فوق القضاء سواء كان جرمه سرقة الاموال العامة او كانت سرقته تتصل بالناس من حوله من الضعفاء الذين استولى على اموالهم بالباطل مستغلا موقعه, فيأتي القضاء المرتشي ليجد له مخرجا حتى يصدر حكم البراءة بحق ذلك المسؤول او الوزير السارق والمختلس.
أما من لا يتمتع بذلك الموقع الاجتماعي الذي يرفعه فوق القضاء المرتشي وكان جرمه أن سرق مالا ليأكل او ليلبس او ليشتري دواء لنفسه او لعائلته او ليعتاش به فان القضاء سيتوجه اليه بكل ما أوتي من قوة , وسرعان ما سيلقى خلف القضبان !!!
لسنا نبرر جرم السارق الفقير او الذي لا يحظى بموقع اجتماعي ليخشاه من بيدهم تطبيق القانون او من يجلسون في مواقع القضاء, وانما نؤكد على ان القضاء مطالب بتحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع , واعتبار جريمة الوزير كجريمة الفقير.
فهل تحقق ان اعتبرت السلطة القضائية العراقية سرقة الوزير كسرقة الفقير؟! بات الشعب يرى أنّها أحلام وأوهام لا يُمكن تحقيقها إلّا في الخيال.
اذن لا يمكن تحقيق النّجاح في جميع ميادين الحياة إلّا إذا تمّ إصْلاح المُسبب والمصدر الرّئيس، فالقضاء هو أساس تقوم عليه جميع الدُول والممالك والجُمهوريات، يسّن القوانين منْ خلال الدُستُور وعلى أبناء هذا المُجتمع الالتزام بها وزيرا كان او فقيرا, وهذا ما أكد عليه نبي الاسلام محمد صلى الله عليه وآله في الحديث المذكور أعلاه من أن خط العدل يجب ان لا يعرف ضعيفاً او قوياً ولا شريفاً او حقيراً , وبخلافه يجعل المجتمع يفقد قوامه وتوازنه فيتعاظم عند ذلك ويؤدي الى تفشي الجريمة وانتهاك القانون ومن ثمّ شيوع الفوضى والاضطراب والدمار .
وقد يتساءل البعض قائلا: أوَ لم يقرأ القضاة كتاب الله عزّ وجلّ كيف يدعوا المؤمنين الى تحرِّي العدل حتى ضد الأقربين, فيقول عزّ من قائل: Pيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ O ( النساء ـــ 135 ) وذلك يعني أن الحق والعدل يجب أن لا يُفرّق فيه بين الناس ولا يميز حتى ابناء الحاكم والمنسوبين اليه بل هم اولى بتطبيق ذلك عليهم .
وعليه, فتطبيق القضاء المُساواة في إنزال الحُكْم العادل على الطّرف المُخطئ مهما كانت مكانتُه، يجعل المرء يغدُو لحياته وعمله دون أي خوف منْ الواسطة ولا ما تُسّمى بالمحسوبيّة، ولا التّمييز الجائر بين طبقات المُجتمع، وإنْ غدا الجميع لخدمة أوطانهم بحُب فهذا يقود العراق للرّفعة والسُمُو بين بلدان العالم أجمع.
الكاتب: السيد مهدي الجابري
اترك تعليق