هل سمعت بآكلي لحوم البشر؟

القران هو الكتاب الكامل الذي لا يجامل وعندما يوصف فيه شيء بالشناعة فلا ريب انه في قمة الوقاحة والقباحة ويريد منا تعالى الابتعاد عن ما يصفه بالقبح بفائق السرعة ومتنوع الوسيلة، وقد وصف القران حالة بقمة الانحطاط والتسافل والاشمئزاز فيقول تعالى: « وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ » (الحجرات: 12).

  أتصور لم يعد العنوان عليك غريب أيها اللبيب فتعال معي –عزيزي القارئ – لنتعرف على هذا المرض الخطير ونقف عند حقيقته ونسعى لتهذيب أنفسنا منه والابتعاد عن متعاطيه.

..الغيبة هي الداء المستشري والذي يقع فيه على الأكثر اهل الايمان ويحسبوه هينا وهو عند الله عظيم  انه داء العصر وقليل هي المجالس التي تخلو من هذا المرض مع ما ورد فيه  من وعد ووعيد  في كثير من النصوص  الخالية من الشوب  وتقدم كيف يصف القران الكريم  حال المغتاب  بانه يأكل لحم انسان ميت !!  ياله من وصف!  ويالها من حاله!  يسعى القران الكريم من خلال  هذا الوصف ليبين شدة خطورة مرض الغيبة  وقد كثرة النصوص عن اهل البيت (عليهم السلام) الذامة لهذا المرض نكتفي بالقليل منها  تذكيرا :

فقد روى صاحب الجواهر أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله) أوصى أبا ذر فقال :

" إياك والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا " وفي خبر آخر: " إن المغتاب في يوم القيامة يأكل لحمه " .

و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه» (1) .

 وقال الصادق (عليه السلام) : «من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه ، وهدم مروته ، ليسقط من أعين الناس ، أخرجه الله عزوجل من ولايته إلى ولاية الشيطان» (2) .

 وقال الصادق (عليه السلام) : «لا تغتب فتغتب ، ولا تحفر لأخيك حفرة ، فتقع فيها ، فإنك كما تدين تدان» (3) .

 وقال الصادق (عليه السلام) : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «من أذاع فاحشة كان كمبتدئها ، ومن عير مؤمناً بشيء لا يموت حتى يركبه» (4) .

وحرمة الغيبة لا يختلف عليها احد وربما يختلف عن ماهيتها فتعال أيها القارئ الكريم لنتعرف على معناها  فقهيا ...

الغيبة : وغيبة المؤمن وهي أن يذكر بعيب في غيبته مما يكون مستوراً عن الناس سواء أكان بقصد الانتقاص منه أم لا وسواء أكان العيب في بدنه أم في نسبه أم في خلقه أم في فعله أم في قوله أم في دينه أم في دنياه أم في غير ذلك مما يكون عيباً مستوراً عن الناس، كما لا فرق في الذكر بين أن يكون بالقول أم بالفعل الحاكي عن وجود العيب،...(5)

ان الغيبة  ان تذكر شيء موجود في شخص يكره  ان تذكره ، واللطيف عندما احاور احدهم عن الغيبة  يحاول ان يجد لنفسه طريق للهرب  فيقول : ان ما اذكر موجود فيه حقا واني صادق في كلامي لا اكذب!!  وهل الغيبة الا ما موجود فيه لأنه لو لم يكن فيه لكان اعظم درجة وهو البهتان .. وقد عرفها الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) قائلاً : هل تدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم .قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( ذكرك أخاك بما يكره ) .قيل له : أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهته ) .

وتعريفها واسع  لا يدع مجال الا وسده ولا باب الا اغلقه   فأخبارك الغير  بما يكره اخاك المؤمن من النقوص فيه يسمى غيبة

سواء  كان بقصد الانتقاص ام لا

وسواء كان العيب  في بدنه   ام في نسبه ..

سواء كان الخلل في دينه ام في دنياه ...

سواء كان بالقول المباشر  ام بالتقليد والاشارة المفهمة ...

فالحذر الحذر  من اكل لحوم البشر  فهي داء ، تعال معي  لنتأمل  ان كنا من اهل الغيبة ما الدافع  لفعلها ؟؟

لربما حسدا  ...وهو الاخر داء

لربما حقدا ....والحقد من مذموم الصفات ..

لربما –وهو الأكثر -  لإضحاك الاخرين .... تأمل  هل  يصح ان  تضحك على جراح الاخرين  ...وكيف تضحك وفي فيك لحم بشر .... كيف تستطيع الضحك وموقفك اشد من موقف الزنا !!  ... ان كنا من ذوي العقول ما ضحكنا ..

وقد ذكر الفقهاء جواز الغيبة في موارد: (منها) المتجاهر بالفسق فيجوز اغتيابه في غير العيب المستتر به، و(منها) الظالم لغيره فيجوز للمظلوم غيبته والأحوط وجوباً الاقتصار على ما لو كانت الغيبة بقصد الانتصار لا مطلقاً، و(منها) نصح المؤمن فتجوز الغيبة بقصد النصح كما لو استشاره شخص في تزويج امرأة فيجوز نصحه وإن استلزم إظهار عيبها، بل يجوز ذلك ابتداءً بدون استشارة إذا علم بترتب مفسدة عظيمة على ترك النصيحة، و(منها) ما لو قصد بالغيبة ردع المغتاب عن المنكر فيما إذا لم يمكن الردع بغيرها، و(منها) ما لو خيف على الدين من الشخص المغتاب فتجوز غيبته لئلا يترتب الضرر الديني، و(منها) جرح الشهود، و(منها) ما لو خيف على المغتاب أن يقع في الضرر اللازم حفظه عن الوقوع فيه فتجوز غيبته لدفع ذلك عنه، و(منها) القدح في المقالات الباطلة وإن أدّى ذلك إلى نقص في قائلها.

ويجب النهي عن الغيبة بمناط وجوب النهي عن المنكر مع توفر شروطه، والأحوط الأولى لسامعها أن ينصر المغتاب و -يردّ عنه ما لم يستلزم محذوراً(.6)

وربما ينطلق الكثير من مقولة لا غيبة على الفاسق  ليبدئ ان يتصرف وفق ما يريد والحال ليس كذلك وانما تجوز الغيبة فيما يتجاهر الفاسق فيه فالذي يعصي علنا لا تجوز ذكر عيوبه ومعاصيه التي يخفيها عن الناس . فلو كان متجاهر بذنب معين وهو معروف بين الأوساط فيه لكنه يحمل من الذنوب ما لا يتجاهر به فيغتاب من يخبر به..

ثم ان السامع يشارك المغتاب في الاثم ....فهو المعين له والمشارك  بالأكل  او على الأقل فهو ينظر الى هذا المشهد المزري  فكيف يهنئ بالمشاهدة ؟ وكيف يسكن  فحري بنا الابتعاد عن هذه المشاهد كعادة ابتعادنا عن مشاهد القبح  بل علينا ان نصل الى مرحة الاشمئزاز والانزعاج -حتى تصبح ملكة -من هذا العضال الديني الاجتماعي  وذلك لأضرارها الدينية  والاجتماعية فهي سبب لكثير من الجرائم وسبب للتسقيط وسبب للخصومة والبغضاء والهجر وانعدام الثقة  والتشكيك وتطول قائمة المفاسد، وذلك بالتأمل في جوهر هذه الحالة وتذكر ما جاء فيها من النصوص الشريفة  التي تبين مفاسدها وعذاب صاحبها .

الكاتب / امير العامري

____________________________

(1) البحار م 15 كتاب العشرة ص 177 عن الكافي .

(2) البحار م 15 كتاب العشرة ص 178 عن ثواب الأعمال ومحاسن البرقي وأمالي الصدوق .

(3) البحار م 15 كتاب العشرة ص 185 عن أمالي الصدوق .

(4) البحار م 15 كتاب العشرة ص 188 عن ثواب الأعمال ومحاسن البرقي

(5) ، (6)    منهاج الصالحين