لا أحد بمقدوره أن يزعم أن جمهور الشباب الذي يرتاد المجالس الحسينية في شهري محرم وصفر وشهر رمضان وفي المناسبات الموزعة على طول السنة الهجرية حتى لا يكاد يخلو شهر من مناسبة أو أكثر هو جمهور حسيني بالمعنى الدقيق للكلمة على أن وصف (حسيني) من العمق بحيث لا يسهل تطبيقه على كل من يشارك في الطقوس الحسينية وللاتصاف به شروط تتطلب درجات عليا من الالتزام والتقيد بحذافير الأخلاقيات التي أوصى بها أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولكن هل معنى هذا أنه لا يفيد من المنبر الحسيني إلا من أخلص في سلوكه وحضوره وإنصاته وانقطع تمام الانقطاع للقضية الحسينية؟
إن افتراضاً كهذا يتضمن كثيراً من التعسف والمجانبة للواقعية ولو كان هذا المعيار هو السائد في الأمور الدينية والأخلاقية ما دخل الجنة إلا الأنبياء والأوصياء وثلة من الأولين وقليل من الآخِرين ولما كانت هناك حاجة أصلاً إلى ((جنة عرضها السماوات والأرض))... إن الواقع يقول والعلماء يؤيدون بأنه لا تخلو مخالطة من تأثير ولا بد للمخالِط من أن يتأثر قليلاً أو كثيراً بمن خالطه ولابد أن تكون نتيجة أي اختلاط " نتناً من النتن أو طيباً من الطيب" كما يقول الشاعر صادقاً.
فما الفائدة التربوية التي يمكن أن يجنيها الشاب من حضوره المجالس الحسينية؟ وهل يمكن أن يحدث التأثر دون إرادة من صاحبه؟
الجوابُ على السؤال الثاني هو بكل تأكيد: نعم، ولا تُشترط القصدية في التأثر فأنت تتأثر بما يبثه التلفزيون دون إرادة منك ودون أن تشعر حتى وتحدث تغيرات في أفكارك وسلوكك دون أن تدري وتتأثر بالمكان الذي تسكنه وبالمجتمع الذي تندمج فيه وبالناس الذين تتعامل معهم وتعاشرهم كل هذا يجري دون إرادة منك.
أما ما يمكن أن يجنيه الشاب من حضور المجالس الحسينية فيمكن إجماله بما يلي:
إن مجرد نجاح الشابِ في أن ينتزع نفسَه من الملهيات العصرية، وهي عديدة وشديدة الإغراء هو شكل من أشكال الانتصار على الهوى مهما كانت الغاية فالفرق واسع لا شك بين أن يجد الشاب متعته في البرامج التلفزيونية وفي الإنترنت العابر للحدود الأخلاقية كلها وفي مجالات جاذبة أخرى وبين أن يجدها في مجلس حسيني وكما ينبغي أن يكون التعليم خاصة في مراحله الأولى مقروناً بالمتعة فكذلك لا بأس في أن يصاحب حضور المجالس الحسينية شعور بالاستمتاع وإحساس بالاسترخاء وهذا يحصل حتى عند كبار السن، ولا ضير فيه.
وبتكرر حضور المجالس الحسينية تولد لدى الشاب ملكة الانسجام مع المجالس التي تتسم بالرصانة والوقار والجدية، ويولد في داخله إحساس متنام بعدم تقبّل مجالس اللهو الماجن وليس هذا ادعاء بأن الشاب يتخلص من كل أهوائه الآثمة بمجرد الحضور المتكرر إلى المجالس الحسينيي نعم هناك كثير من الشباب يجمعون بين النقيضين ولكنّ التعويل على المدى البعيد إذ لا يُنكَر أن الصراع بين الأساليب الدينية والمغريات والتحديات الأخلاقية التي يتعرض لها الشباب صراع غير متكافئ، وجانبه الأضعف هو الجانب الديني إلا أن هذا لا ينفي التأثير العميق الذي تتركه الأجواء الدينية على نفس الشاب وعقله هذا التأثير قد لا يبدو جلياً في المراحل الأولى على جميع الشباب بدرجات متساوية ولكنه يلعب دوراً خفياً عميقاً في توجيه الشاب في قابل أيامه.
ثم إن الحضور المستمر في مثل هذه المجالس يمثل على نحو ما تعهداً بالالتزام من جانب الشاب إنه بشكل من الأشكال يفرض قيداً عليه ويطوقه بمسؤولية أخلاقية لا فكاك له منها والفرق بينه وبين أقرانه من الشباب الذين يرتادون مجالس اللهو كالفرق بين الأديب الذي لا يُرى إلا في الندوات الثقافية والمجالس الأدبية وبين المتحلل الذي لا يُرى إلا في الأماكن الوضيعة.
خلاصة القول: إن للمجالس الحسينية آثاراً غير مباشرة قد تكون أعمق من آثارها المباشرة على الشباب إنها تمنحهم فضلاً عما تقدم الشعور بالانتماء والإحساس المبكر بالنضج والثقة بالنفس وبالآخرين والاستعداد للبذل والتضحية والأهم من ذلك كله إنها تشعره بأنه صاحب قضية إنسانية عليه أن يسير في سبيلها بخطوات لا تحيد عن جادة الإنسانية مهما بلغت فداحة الثمن الذي يتوجب عليه دفعه من أجلهاولعل السرعة الهائلة في استجابة الشباب العراقي لفتوى المرجعية الرشيدة بالجهاد علامة فارقة تميز الشاب الحسيني (ولو بالمعنى البسيط لمفهوم الحسيني) من غيره من الشباب.
الكاتب / كاظم الجابري
اترك تعليق