بين ما جاءت به الشريعة الاسلامية وما أقرّه القانون الوضعي حيال المرأة والشكل اللازم لدورها وضمان حقوقها حديث طويل سأكتفي بالتنويه على نقطة مهمة ربما كانت الأساسية فيه وهي أن المرأة التي كان لعلاقتها مع الرجل تاريخ طويل من الاضطهاد والإلغاء عند استقصائها اليوم لأسباب الهيمنة وجدت في عاملين:
1ـ الإنفاق فحين كان الرجل هو المتصدي للعمل خارج المنزل والحصول على القوت فرض عليها ذلك تبعية اقتصادية مكنت الرجل حين أمعن في استغلالها من قهر المرأة وإخضاعها له وبالرغم مما كان للمرأة طوال أحقاب طويلة في التاريخ من دور مهم في العمل إلا إن ذلك لم يكن خليقاً بتوفير شيء من الاستقلال الاقتصادي لها بسبب التبعية الاجتماعية المفروضة عليها حيث لم تعدو أن تكون زوجة تعين زوجها أو مملوكة في نظام الرق وهذا ما دفعها اليوم إلى تصور الاستقلال الاقتصادي وكأنه الملاك الحارس الذي يقيها من اضطهاد الرجل وتعسفه وإن الأعمال الكفيلة بالحصول على المورد المادي لها بمثابة الحرم الآمن .
التفوق الاجتماعي وربما كان هذا ناتجاً من خصوصيات العمل خارج المنزل حيث استقل الرجل بفرصة الحصول على الوظائف والمناصب الإدارية والسياسية إضافة إلى النشاطات الاجتماعية والفنية المختلفة فراحت المرأة تعلن عن قدرتها على كل ما يمكن أن ينجزه الرجل ومنافسته في كل ميدان كتعبير عن حقوقها وسبيل للنهوض بواقعها في الخطاب الإعلامي النسوي خلال مسيرتها النضالية .بالإضافة إلى الطابع الحربي الذي ساد المجتمع البشري لعهود قريبة فالمجتمع سواء أكان في القبيلة أو المدينة فهو في عرضة دائمة لخطر الغزو من الأعداء إن لم يكن هو المبادر إلى الغزو فكان الرجل بذلك المقاتل الذي لا تجد المرأة بداً من الاحتماء به.
وعلى هذا أشير إلى جملة نقاط:
إن المرأة اليوم حين جاءت معتمدة على القوانين الوضعية في تحديد ما يبلغها حقوقها وحريتها المنشودة إنما انطلقت من روح العداء والندية التي خلفته سوداوية ذلك التاريخ وحولت الأمر إلى مايشبه الحرب حتى كأن المعيار فيما تحققه لنفسها هو ما تقتصه من خصمها الرجل . إن هذه المعالجات التي تنهض بها المرأة لمشكلتها الأساس مع الرجل إنما تنطلق من أبعاد التجربة التاريخية للقضية وعلى ضوئها ولا تمثل حلولاً ثابتة لواقع مطلق فلو فرضنا أن تاريخ العلاقة لم يكن كما كان وأن المجتمع البشري طوال ماضيه السحيق قد أحاط المرأة ـ كما يريد الإسلام ـ بنظرة إجلال واحترام لمركزيتها في الأسرة ودورها الأساس في تنشئة الأجيال وتزويدها بما تحتاجه تلك النشأة من بناء فكري وعاطفي لما أصبح التماثل بين المرأة والرجل يمثل الوسيلة الحتمية للنهوض بواقعها الاجتماعي . لم يقف المنحى القائم على الندية والتخندق من المرأة عند حدود الاقتصاص من الرجل والتخلص من هيمنته حيث تعداه إلى مرحلة جديدة تسعى من خلالها المرأة إلى إلغاء الرجل وهيمنتها عليه وربما تمثل ذلك فيما يعرف اليوم بمذهب الأنوثة الداعي إلى أن تملك المرأة ناصية الحياة وإحلال الرجل محل التبعية والتهميش . كما وإن هذا المنحى المشبع من قبل المرأة بروح الثورة على جنسها الأنثوي والتمرد على طبيعتها مضافاً إلى بعض الفلسفات المادية التي حصرت مميزات الرجل عن المرأة في حدود الاختلاف البايولوجي قد جعل الغرب يسعى اليوم جاهداً ودون جدوى لتزويق الطفح المقزز الذي علا وجه مجتمعه متمثلاً بالمثلية والجنس الثالث . لم يعد العمل ذلك اللون البراق الذي يغازل خيال المرأة وهي تنسج صورة التساوي والتماثل مع الرجل بل أصبح الوسيلة الوحيدة لبقائها على قيد الحياة لهذا نجد المرأة الغربية اليوم ترزح بأعباء ومتطلبات العمل المرهقة مضافة لأعمال المنزل وخصيصة المرأة الأساس الإنجاب وتقبل بعامل الضرورة لأعمال شاقة منافية لطبيعتها الجسدية أو منافية لقناعاتها الأخلاقية فلا أظن أن المرأة في الغرب حين تعمل كسائقة شاحنة أو عاملة في منجم أو راقصة قد فعلت ذلك لشغفها بهذه الأعمال أو إنها وجدتها مجالاً خصباً لإبداعها. ما يطالعنا من الإعلام بحالات لآلاف النسوة في الغرب وقد وقعن في شباك مافيات الرقيق الأبيض المرعبة من خلال وعود بفرص عمل في مدن ما. النظرة الإسلامية للعلاقة بين المرأة والرجل تقوم على التكامل لا التماثل بعكس الفكر العلماني الذي يعتمد الفردانية والاستقلال الوجودي للإنسان فينظر الإسلام للإنسان على أنه كل مركب من عنصري المرأة والرجل يندمج العنصران ليكوّنا كائناً واحداً يمتلك الرقة والعذوبة والقوة والصلابة ومن خلال التفاعل الصحيح بين خصائص الأنوثة عند المرأة والفحولة عند الرجل وهكذا نصل بالنوع الإنساني إلى الحالة النموذجية ففي الوقت الذي يكون فيه مدار العلاقة خارج نطاق الإسلام قائماً على إلزام المرأة بتحمل قدرها في أنها ذات تركيبة أضعف من الرجل كما وإن إنفاق الرجل على المرأة بمثابة تفضل وتكرم فإن مدار العلاقة في الإسلام قائم على أن المرأة فيه تخاطب الرجل قائلة : إن الله جعل فيّ الأنوثة لأؤدي مهمة عظيمة في الحياة تتمثل بمنحك العاطفة والعذوبة التي تحتاج وأغدق على أطفالك الحنان والحب وهذا المال الذي تنفقه عليّ ماهو إلا نصيبي من رزق الله وقد جعل فيك القوة والصلابة لاستحصاله . هناك خطأ كبير يتصوره كثير من المسلمين وغير المسلمين في أن الإسلام يقيّد المرأة فيما يخص خارج المنزل أو يقصر دورها فيه فيؤدي ذلك إلى ارتباط مفهوم المرأة في الإسلام بالحريم والجواري والإسلام يقرر أن المرأة التي فرض عليها العلم والتثقف أسوة بالرجل بخصائصها الأنثوية هي مهيئة لشؤون المنزل من رعايتها للأطفال وإنفاق الوقت معهم في تعليمهم وتربيتهم وإغداق الحنان عليهم وتحويل البيت إلى واحة غنّاء ترتع فيها العائلة ولها بعد ذلك ما تشاء من عمل خارج المنزل بشرطين أن لا تفرّط بالأسرة والأمومة والزوج وأن لاتقدم على العمل بروح التحدي والخصومة فالإسلام يبيح للمرأة أن تعمل بما تشاء من أعمال بل يزيد أنه في نظامه يضمن لها القدرة على اختيارها الملائم منها فلاتضطر كي تعيل نفسها أو أطفالها للأعمال المرهقة إننا أمام مهزلة حقيقية تتمثل بالربط الحتمي بين إبداع المرأة أو عملها والخروج عن الإسلام فهو يأتي بشخصية مثل (مدام كوري وكأنها لم تنل درجتها العلمية إلا لأنها لم تكن مسلمة أو أن المرأة خارج الغطاء الإسلامي فقط قادرة على أن تكون طبيبة أو أستاذة جامعية بوسع المرأة في الإسلام أن تكون رائدة فضاء ليس ثمة غضاضة فقهية في الأمر وهي حين شرع لها الإسلام الحرية في اختيار الزوج صارت قادرة إذا ما استبدت بها الرغبة والطموح لأن تكون رائدة فضاء أن تختار الشخص الذي يماثلها في المستوى العلمي والاعتزاز بالدور العلمي ثم ينظمان بعد ذلك أمورهما في الأسرة والعمل إن روح الندية والتنافس هي التي صورت للمرأة في الغرب أن تحقيق الذات مقترن بالاستقلال عن الرجل . الحريم والجواري تلك الصورة المعتمة التي انتعشت ملامحها من خلال صفحة التراث البرجوازي في تاريخ الإسلام والتي اجتهد أعداء الإسلام في تناولها كصورة تعكس حقيقة مايريده الإسلام للمرأة ولاشك أن المقام هنا يضيق بالرد الوافي فأكتفي بالتساؤل إذا كان مايستنكر في الأمر هو أن الجارية بمثابة سلعة لادور لها غير إمتاع الرجل وإشباع رغباته أفلا ينطبق ذلك على العدد الذي لايحصى من النساء في الغرب اللواتي يعملن في الملاهي والمنتجعات السياحية حتى لتجد أن عنوان الرفاهية عند الرجل الغربي أن يحصل على مبلغ كبير من المال يستطيع من خلاله الحصول على عدد من الحسناوات في منتجع سياحي لإمتاعه أو المرأة التي تظهر شبه عارية لتعلن عن سلعة تجارية في الغرب الرأسمالي ؟ . المرأة في الإسلام غير ملزمة بأعمال المنزل وغير ملزمة بالإنفاق على أحد إن فعلت ذلك فتكرماً وعلى الرجل أن يكدح ويعمل ليعيلها وأبناءها و رغم ذلك يكون قد أدى واجبه ليس إلا . لاشك أن المرأة في الغرب رغم معاناتها المريرة لا تتمسك بواقعها الحالي فحسب بل تقف أمامه وقفة إجلال على أنه حصيلة نضال طويل وذلك لأنه الخيار الوحيد فإما هذا أوالرجوع إلى عهد اضطهاد الرجل أو أن مرحلة الصراع بكل مفرداته وإرهاصاته قد طوي وباتت تعيش اليوم مرحلة جديدة يبرز فيها الاستقلال عن الرجل كقضية مسلمة أو أنه الشكل الطبيعي للعلاقة إن المرأة الأمريكية التي تضطر للتطوع كمجندة في الجيش والذهاب إلى العراق أو أفغانستان كي تعيل طفلها الذي تركته في أمريكا نجدها تتمسك بهذا ولكن لو أتيح لها خيار كالذي يشرعه الإسلام لها ؟ . على مجتمعنا الإسلامي أن يعي دوره الخطير في أنه المانح الحقيقي لشريعة الإسلام جدواها وقدرتها على الإقناع والتأثير وأنه الواقع العملي الذي يقيس من خلاله العالم صلاحية التنظير عليه أن يعي أن للشريعة روحاً عظيمة تكمن في الاندماج بها حقيقة الإيمان وفيما يخص المرأة فإن الله قد جعل للرجل القوامية على المرأة للوداد لا الاستبداد فإن الرجل العنصر الصلب والصلابة حصانة للرأي وبعد ذلك اشتغاله خارج المنزل فيستحصل الخبرة بمكامن الخير والشر في سكك المجتمع كما يستحصل القوت وهنا فكما ألزمته الشريعة بحمل القوت إلى زوجته غير متفضل ألزمته بالقوامية أن يحمل الخبرة إليها غير مستبد ثم يأتي الحب أروع آيات الله في الإنسان ينبض بالرجل فإذا به الظل الظليل لزوجه يقيها هجير ما تسرب بفعل غلبة العاطفة عليها من قصور في الرأي والحزم وليس في ذلك ما يعيب كما أسلفت إن المجتمع الإسلامي يجر بتغليب أعرافه وتقاليده الإسلام إلى حالة تشبه العجز والعطل ويسلمه لأعدائه خصماً ضعيفاً لاحول له ولاقوة وفيما يخص المرأة فإن كماً هائلاً من نسائنا تعيش التسلط الغاشم والدونية من الرجل باسم القوامية أو بفعل وعي لم تمسه روح الإسلام وماذا بعد مازال هناك في مجتمعنا من يدفع المرأة كدية للقتل ويكرهها على الزواج ومازال كثير يعيش مفهوماً هو الكفر في الإسلام الحق وهي أن المرأة خلقت لأعمال المنزل إن اتقنتها فقد برأت ذمتها في الوجود الاجتماعي . ومازال في مجتمعنا ما يقصر عنه البيان في عدم مواكبة الافق الذي يريده الاسلام .علينا أن نربي بناتنا على ملامسة روح الإسلام والوصول إلى قناعة بالمصلحة في أوامره ونواهيه الإسلام يريد للمرأة أن تكون وهجاً خلاقاً يعلو في الآفاق ككائن أراده الله خليفة له على الأرض إن الإسلام العظيم قد وضع الزهراء (عليها السلام) نموذجاً أعلى .. الزهراء التي تأبى قنواتنا الإعلامية إلا أن تنشئ أجيالاً لا يعرفون عنها غير المشهد المأساوي والظليمة ولاحصيلة لهم من تراثها غير الدموع إننا لو تأملنا حقيقة الزهراء (عليها السلام) من خلال خطبتها المعروفة وماجاء فيها من بيان عبقري لمفردات الإسلام وحقائقه سنجد وعياً وفهماً يرتقي لأن يرسم للكون نظامه الأصلح وعلى ذلك فلو عكفنا على تربية بناتنا تربية تجعلهم بمستوى الخطاب الصادر من الزهراء (عليها السلام) نكون قد بنينا نموذجاً نسوياً قادراً على استقطاب العنصر النسوي في العالم أجمع .
الكاتب / صلاح الخاقاني
اترك تعليق