من الواضح أن الشاب عادة ينصب تفكيره على بناء مستقبل سعيد, فهو يبحث عن عمل يتناسب مع نشاطه وطموحه, ويتسابق لطلب الرقي في كل مجالات الحياة مستثمراً ما يتمتع به من حيوية وطاقة فيسعى لدار واسعة, ووسيلة نقل فارهة, وشريكة حياة تعينه وتسانده في نيل طموحاته, ليكوِّن أسرة في بناء مجتمعه.
هذه طموحات كل شاب سويّ يتمتع بطاقة تحثه للتقدم والرقي, ولكن هذا لا يمنع الشاب من التحسس بالمحيط الذي يعيش فيه, والتأثر به سلباً أو إيجاباً, وفي كثير من الأحيان يكون الشاب بما يتمتع به من حس مرهف أكثر تحسساً من غيره وأكثر حماساً وغيرة.
وفي تاريخ الإسلام نماذج فريدة من الشباب الذين تأثروا بالظروف المحيطة فهبّوا للتغيير ولو كلفهم ذلك أنفسهم, فهذا (حنظلة بن أبي عامر الأنصاري) شاب من الخزرج عندما أقبلت قريش لتقضي على الإسلام في أحد كان حنظلة قد تزوج في الليلة التي في صبيحتها كانت المعركة, فترك عروسه والتحق بالجيش الإسلامي, فاستدعت زوجته أربعة من الأنصار وأشهدتهم على أنه واقعها تلك الليلة, ثم خرج وهو جنب, وجاهد بين يدي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى استشهد, فأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أصحابه بأن الملائكة قد غسلت حنظلة, فعرف بغسيل الملائكة.
إن ما كان يحيط بالإسلام من ظرف عصيب, ووجود القيادة المعصومة التي تمثل أمر السماء أثارت الغيرة على الإسلام في (غسيل الملائكة) ليترك عروسه, ويعرض عن الحياة وما فيها, لأنه علم أن تضحيته بعين الله تعالى, فقدم الشهادة على أحلامه, لأن الحياة ترخص عند المساس بالدين والوطن, وعندما يحدق الخطر بالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) , وهذا يدل على رسوخ الإيمان في أعماق هذا الشاب الذي أرخص حياته لينتقل للقاء الله تعالى في حياة أبدية.
لقد حفلت الثورة الحسينية بعدد كبير إذا ما قيست بعدد شهدائها من الشباب الذين قدموا أنفسهم قرابين على طريق الحرية الذي اختطه أبو الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام) . كانت الآفاق مدلهمة, فالخلافة التي تنسب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أصبحت ملكاً عضوضاً, والعمل بأحكام الإسلام انحسر, وصارت الخلافة إرثاً يتولاه شرّ خلف لشرِّ سلف, فقد أبدل معاوية سماحة الإسلام بالفتك والقتل, وأمر عماله بالظلم والجور, وأصبحت البلاد الإسلامية ترزح تحت وطأة من يمتهن الناس ويستعبدهم ويعتدي عليهم ويسلب أموالهم, ويهدم دورهم.
لم يكتفِ معاوية بما ارتكبه من مخالفات للشرع الشريف والانتقام من عباد الله بل أخذ البيعة لابنه يزيد, وما إن هلك معاوية حتى قام يزيد يأمر ولاته بتجديد البيعة له, ويطلب من والي المدينة المنورة أن يأخذ البيعة من الحسين (عليه السلام) , وأمره أن يضرب عنقه إن امتنع, لكن أبي الضيم امتنع موضحاً سبب امتناعه حيث قال : إنا أهل بيت النبوة, ومعدن الرسالة, ومختلف الملائكة, وبنا فتح الله, وبنا ختم الله, ويزيد رجل فاسق, شارب الخمر, قاتل النفس المحترمة, معلن بالفسق, ومثلي لا يبايع مثله.
إن الوضع السائد وما وصف به الإمام الحسين (عليه السلام) رأس السلطة الحاكمة كان كافياً لاستنهاض همم الشباب المؤمن, لينتفض لتغيير الواقع السيء الذي ابتليت به الأمة, وإذا كانت الثورة تحتاج قائداً تطمئن إليه الأفئدة, فإن القيادة المعصومة متوفرة مع توفر الحاجة للثورة على الواقع الفاسد الذي يكاد يعصف بكيان الدين, وأي عمل أفضل من الدفاع عن الإسلام وإمامه المعصوم الذي يمثل كيان النبوة والامتداد الطبيعي لها كما قال جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلّم) : حسين مني وأنا من حسين.
إن الإيمان الذي ملأ قلوب أولئك الشباب شحذ هممهم لنصرة الإمام المعصوم (عليه السلام) لإنقاذ الدين الإسلامي الحنيف, وما قيمة الحياة إذا تحقق مثل هذا الهدف النبيل للشهادة, والنتيجة المتوخاة هي لقاء الله تعالى بالشهادة, والانتقال للفوز بالعيش مع النبيين, والصديقين, والشهداء, والصالحين, وحسن أولئك رفيقاً.
محرر الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق