حقوقُ الصّداقةِ فيْ الإسلامِ

الصداقة من شؤون الحياة الاجتماعية التي لا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال، فإن الإنسان الذي لا يرتبط بصديق يواسيه في آلامه وأحزانه ومسراته وأفراحه مصاب بالكآبة والشذوذ.

ونظراً لأهمية الصداقة فقد أولاها الإسلام المزيد من الاهتمام، فألقى الأضواء على معالمها وشؤونها، ومن بين ما عرض له :

مصاحبة الأخيار:

أكد القرآن الكريم على مصاحبة الأخيار والمتحرجين في دينهم. قال تعالى:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[الكهف: 28].

إن القرآن أمر بمتابعة مصاحبة المؤمنين الصالحين الداعين لله تعالى بالغداة والعشي، طالبين مغفرته ورضوانه، وحذر من مزاملة من اتبع هواه وكان أمره فرطاً. وقال تعالى:{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا }[النجم: 29].

حكت الآية ما تضمنته الآية السابقة التي دعت إلى مصاحبة المتقين لاكتساب الفضائل والصفات الكريمة منهم، فإن الصديق له الأثر البالغ في تكييف حياة صديقه فكرياً واجتماعياً وسياسياً.

وقد ذكر علماء الاجتماع أن الحياة الاجتماعية حياة تأثير وتأثر، فكل إنسان يتأثر فيمن حوله، ويتأثر كذلك فيمن حوله وينبغي إضافة إلى ذلك أن تتوفر في الصديق الصفات التالية :

الصدق:

أكد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) على مصاحبة الصادقين.

قال (عليه السلام) : (عليك بإخوان الصدق، فأكثر من اكتسابهم، فإنهم عدة عند الرخاء، وجنة عند البلاء)(1).

إن الصدق أفضل صفة يتحلى بها الإنسان، فمن تحلى بها كان قدوة حسنة لغيره.

الثقة:

ندب الإمام أمير المؤمنين إلى مصاحبة الثقة.

قال (عليه السلام) : (فأما إخوان الثقة فهم الكف والجناح والأهل والمال، فإذا كنت من أخيك على حد الثقة فابذله مالك وبدنك وصاف من صافاه، وعاد من عاداه، واكتم سره وعيبه، وأظهر منه الحسن، واعلم أيها السائل إنهم أقل من الكبريت الأحمر)(2).

إن الثقات زينة الرجال، وفخر المجتمع، وهم من ذخائر الناس فيما يتصفون به من الصفات الفاضلة.

صفات ممقوتة:

حذر الإسلام من مصاحبة من يتصف بالصفات الممقوتة، فإنه يجر الويل والعطب لمن صاحبهم، قال الإمام زين العابدين وسيد الساجدين (عليه السلام) في وصيته لولده الإمام الباقر(عليه السلام) :(يا بني، انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم، ولا ترافقهم).

فقال الإمام الباقر (عليه السلام) :(يا أبت، منهم؟).

(يا بني : إياك ومصاحبة الكذاب، فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد، ويبعد عنك القريب.

وإياك ومصاحبة الفاسق، فإنه بايعك بإكلة أو أقل من ذلك.

وإياك ومصاحبة البخيل، فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه.

وإياك ومصاحبة الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك.

وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله تعالى في ثلاثة مواضع)(3).

وهؤلاء الأصناف لا خير في مصاحبتهم، فإنها تجر الخسران والندامة لمن اتصل بهم.

كما ينبغي للمسلم أن يبتعد عن مزاملة من عادى الله تعالى ورسوله، ولو كان أقرب الناس إليه.

قال تعالى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ(4) وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة: 22].

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (من كان يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر فلا يواخين كافراً ولا يخالطن فاجراً، ومن آخى كافراً أو خالط فاجراً كان كافراً وفاجراً)(5).

على المؤمن أن يبتعد عن مصاحبة الكافر والفاجر اللذين اسودت ضمائرهم بالكفر والفجور وابتعدا عن رحمة الله تعالى.

حدود الصداقة:

أدلى الإمام الصادق (عليه السلام) بحديث فيه حدود الصداقة ، قال (عليه السلام) :

(لا تكون الصداقة إلا بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة، ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة : فأولها : أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة.

والثانية : أن يرى زينك زينه وشينك شينه.

والثالثة : أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال.

والرابعة : أن لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته.

والخامسة : وهي تجمع هذه الخصال ألا يسلمنك عند النكبات)(6).

ومن اتصف بهذه الصفات أو بعضها فإنه الشريف الوفي، وكيف يوجد، خصوصاً في هذا الزمان الذي اتجهت مشاعر الناس وعواطفهم نحو المادة.

حقوق الصديق:

للصداقة حقوق ينبغي مراعاتها والقيام بها، وقد تحدث عنها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لولده الإمام الحسن (عليه السلام) ، قال :(احمل نفسك من أخيك عند صرمه(7) على الصلة، وعند صدوده على اللطف والمقاربة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنو، وعند شدته على اللين، وعند جرمه على العذر، حتى كأنك له عبد، وكأنه ذو نعمة عليك).

وأضاف الإمام قائلاً :(لا تتخذن عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك، وامحض أخاك النصيحة، حسنة كانت أو قبيحة).

ومن بنودها قوله :

(وإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع إليها إن بدا له ذلك يوماً ما. ومن ظن بك خيراً فصدق ظنه، ولا تضيعن حق أخيك اتكالاً على ما بينك وبينه، فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه)(8).

أرأيتم هذه النصائح الذهبية التي قدمها الإمام إلى ولده الإمام الحسن (عليه السلام)، وقد حفلت بأروع حقوق الصداقة.

وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في حقوق الصديق : (لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاث : نكبته، وغيبته، ووفاته)(9).

وأدلى الإمام زين العابدين (عليه السلام) بحقوق الصداقة، قال (عليه السلام):(وأما حق الصاحب : فإن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلاً، وإلا فلا أقل من الإنصاف، وأن تكرمه كما يكرمك، وتحفظه كما يحفظك، ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة، فإن سبقك كافأته، ولا تقصر به عما يستحق من المودة. تلزم نفسك نصيحته وحياطته وتعاضده على طاعة ربه ومعونته على نفسه فيما لا يهم به من معصية ربه، ثم تكون عليه رحمة، ولا تكون عليه عذاباً ولا قوة إلا بالله)(10).

من كتاب الإسلام وحقوق الإنسان/ باقر شريف القرشيّ/ مع التّصرّف.

_______________________________

1ـ بحار الأنوار : 71/187.

2ـ الإسلام منهج مشرق للحياة : 149.

3ـ أصول الكافي : كتاب العشرة : 2/641، الحديث 7.

4- حاد الله : أي عاداه.

5- صفات الشيعة / الشيخ الصدوق : 6.

6- أصول الكافي – كتاب العشرة : 2/639، الحديث 6. الوافي : 3/204.

7- الصرم : القطيعة.

8- نهج البلاغة – وصيته (عليه السلام) لولده الإمام الحسن (عليه السلام) : 403.

9- وسائل الشيعة : 12/29.

10- رسالة الحقوق : 1/178.