قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من دنياك لآخرتك[1]، ومن حياتك لموتك، ومن صحتك لسقمك، فإنك لا تدري ما اسمك غداً[2].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن اشد ما أخاف عليكم خصلتان: اتباع الهوى، وطول الأمل. فأما اتباع الهوى فإنه يعدل عن الحق، وأما طول الأمل فإنه يحبب الدنيا[3].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: أيها الناس أما تستحون من الله؟ قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: تجمعون ما لا تأكلون، وتأملون ما لا تدركون، وتبنون ما لا تسكنون[4].
وطول الأمل له سببان:
أحدهما الجهل.
والآخر حب الدنيا: فإنه إذا أنس بها وشهواتها ولذاتها وعلائقها ثقلت على قلبه مفارقتها، فامتنع قلبه عن الفكر في الموت الذي هو سبب مفارقتها، وكل من كره شيئاً رفعه من نفسه والإنسان مشغوف[5] بالأماني الباطلة، فتمنى نفسه أبداً ما يوافق مراده وهو البقاء في الدنيا، فلا يزال يتوهمه ويقرره في نفسه ويقدر توابع البقاء وما يحتاج إليه من مال وأهل ودار وأصدقاء ودواب وسائر أسباب الدنيا، فيصير قلبه معكوفاً[6] عليها ويلهو عن ذكر الموت.
وأصل هذه الأماني كلها حب الدنيا، وأما الأمل فإن الإنسان قد يعوّل[7] على شبابه فيستبعد قرب الموت مع الشباب، وليس يتفكر المسكين في أن مشايخ بلده لو عدوا لكانوا أقل من عشر أهل البلد، وإنما قلوا لأن الموت في الشباب أكثر، وإلى أن يموت شيخ يموت ألف صبي وشاب.
وقد يستبعد الموت لصحته ويستبعد الموت فجأة ولا يدري أن ذلك غير بعيد، وإن كان بعيداً فجاء المرض غير بعيد، وكل مرض فإنما يقع فجأة، وإذا مرض لم يكن الموت بعيداً والموت ليس له وقت مخصوص من شاب وشيب وكهولة، ومن صيف وشتاء وخريف وليل ونهار، لعدم اشتغاله بالاستعداد واستشعاره.
وعلاج الجهل الفكر الصافي من القلب الحاضر وسماع الحكمة البالغة من القلوب الطاهرة، وعلاج حب الدنيا الإيمان باليوم الآخر وما فيه من عظيم العقاب وجزيل الثواب، وإذا حصل اليقين بذلك ارتحل عن قلبه حب الدنيا.
نسأل الله أن يحسن عملنا ويقصر أملنا، ويخرج حب الدنيا عن قلبنا، ويحبب إلينا لقاءه، ويوفقنا للأعمال الصالحة بحمد الله.
بقلم: السيد عبد الله شبر.
ـــــــــــــــ
[1] في مسكن الفؤاد: "وخذ من حياتك لموتك "بدل" وخذ من دنياك لآخرتك".[2] مسكن الفؤاد، الشهيد الثاني: 16.[3] المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني: 8/ 244 ــ 245، كتاب ذكر الموت وما بعده، الباب الثاني في طول الأمل.[4] إحياء علوم الدين،الغزالي:4/394، كتاب ذكر الموت وما بعده،فضيلة قصر الأمل.[5] الشغاف ككتاب: غلاف القلب وهي جلدة دونه كالحجاب. ويقال: هو حبة القلب، وهي: علقة سوداء في صميمه. وشغف قلبه الهوى شغفا من باب نفع والاسم الشغف بفتحتين. وفلان مشغوف بفلانة، أي: ذهب به الحب إلى أقصى المذاهب.مجمع البحرين، الطريحي: 2/521، باب ما أوله الشين، مادة "شغف".[6] عكف بعكف ويعكف عكفا وعكوفا، وهو: إقبالك على الشيء لا تصرف عنه وجهك. كتاب العين، الفراهيدي: 1/205، مادة "عكف".[7] عولت عليه: استعنت به.كتاب العين، الفراهيدي: 2/ 248، مادة "عول".
اترك تعليق