إن الله تعالى جعل النبوة في بعض من خلق من البشر ليكون ذلك النبي مرشدا وهاديا لسائر البشر الآخرين ومنذرا لهم ، ولطالما مهمة النبوة التي مفادها هداية وارشاد البشر الى الخير والصلاح والفلاح ، وانذارهم من الانحراف والظلم والكفر والفجور والطغيان لابد من ان تستمر فجعل الله تعالى لأنبيائه أوصياء معصومين ، وهؤلاء الاوصياء يقومون بمهمة النبوة والتي سبق ذكر مفادها من خلال ثلاث مهام رئيسة هداية البشر وارشادهم وانذارهم. فجعل الله تعالى لنبيه الخاتم محمد صلى الله عليه واله اوصياء اثني عشر ، وأولهم صهر النبي وابن عمه علي بن ابي طالب عليه السلام ، والذي بلغ النبي صلى الله عليه واله بإمامته وخلافته في مختلف المواطن والأوطان وتباين الازمنة وتعدد المواقف ، وإن ابرز هذه التصريحات التي صرحت بذلك هي حادثة الغدير والتي حدثت من بعد عودة النبي صلى الله عليه واله والمسلمين من حجة الوداع والتي هي آخر حجة حجها رسول الله صلى الله عليه واله في طريق عودتهم في مكان يقال له غدير خم ، وحيث ضجت الكتب وعجت المؤلفات بذكر هذه الحادثة ، وتزاحمت النصوص وتواترت الاحاديث فيها من قبل الفريقين وحيث ذكرته صحاح السنة وحيث قال النبي صلى الله عليه واله في حق ابن عمه وصهره واخيه علي بن ابي طالب عليه السلام : ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيثما دار ...)). فإذن الإمام علي امير المؤمنين عليه السلام كان يحمل على عاتقه مهمة الامامة والتي هي مكملة لمهمة النبوة من خلال هداية البشر وارشادهم وانذارهم ، وكان الحق معه وهو مع الحق والله أولى بالحق ، ومن المعتاد ان يكون له اعداء يتربصون به الدوائر ، فكان اعداء الله واعداء الاسلام واعداء الرسول اللذين كانوا يعبدون الاصنام واللذين كانوا منتفعين ماديا بها من خلال ما يقدم اليها من النذور والقرابين ، واللذين قاتلوا الرسول في معركة بدر واحد وحنين ومعركة الاحزاب وغيرها ولم يستطيعوا النيل منه ان يجتهدوا في تلاقف الفرصة لقتل الامام علي امير المؤمنين عليه السلام معتقدين بأن قتله هو قتل للنبي ونهاية لوجود الاسلام على الارض ، فإذن قتل الامام أمير المؤمنين عليه السلام كان هو الهدف المنشود من قبل أعدائه وعلى رأسهم معاوية بن ابي سفيان الذي انحدر من تلك الشجرة الملعونة في القرآن ، فقد انحدر من اصلاب لطالما عبدت الاصنام وتولعت في حرب الرسول ومعاداة الاسلام ، وبحسب طبيعة الحال كان معاوية يرى ان وجود الامام امير المؤمنين علي عليه السلام يمثل تهديدا لوجوده ، وتهديدا لكرسي الخلافة والذي هو يراها ملكا له ، وبعد الحروب والمعارك الكثيرة التي شنها معاوية المتقمص للباس الاسلام والمتستر به على وصي النبي الامام امير المؤمنين عليه السلام وجر المسلمين الى تلك الحروب الطاحنة وإدامة زخم التشتت والتشضي بين المسلمين وسفك الدماء تيقن معاوية ان قتل امير المؤمنين عليه السلام من خلال الحرب أمرا بات مستحيلا ، وأنه لا جدوى منه ابدا ، فعمد الى اللجوء الى المكر والحيلة من خلال الاختيال والتصفية الجسدية ، وبحسب ما ذكرته المصادر اضطر معاوية فتواطىء مع مجرم عظيم الاجرام يسمى بعبد الرحمن بن ملجم لإختيال امير المؤمنين وقتله والخلاص من وجوده على الارض ، وبالفعل جاء المجرم عبد الرحمن بن ملجم في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان في سنة 40 للهجرة ، وكان قد اخفى تحت ثيابه سيفا صقيلا مسموما بسم قاتل شديد الأذى ،وكان في مسجد الكوفة ينتظر ان يحين وقت صلاة الفجر كي يصلي امير المؤمنين عليه السلام وينقطع في توجهه الى الله فيستغل الفرصة فيقتله بذلك السيف الصقيل ، وبالفعل ما إن حان وقت صلاة الفجر وصلى الامام امير المؤمنين عليه السلام بالناس حتى استتر المجرم عبد الرحمن بن ملجم بين صفوف المصلين متظاهرا بالصلاة ، وحينما رفع الامام امير المؤمنين راسه من السجدة الاولى في الركعة الاولى اذ اسرع المجرم عبد الرحمن بن ملجم شاهرا ذلك السيف الصقيل فضرب الامام أمير المؤمنين عليه السلام على رأسه! فسالت الدماء من راسه ، وتخضبت شيبته ولحيته ، وعجت الناس في المسجد ومن بعدها القوا القبض على ذلك اللعين وأمسكوا به ، وبحسب المصادر قال الامام عليه السلام حينما ضرب : (( فزت ورب الكعبة)) نعم فقد فاز الامام امير المؤمنين علي عليه السلام بالشهادة اذ انه قتل في سبيل الله وفي بيت الله وفي شهر الله ، وعلى يد العن خلق الله اللعين بن ملجم وبأمر من أعدى أعداء الله الطاغية معاوية بن ابي سفيان. وذكرت النصوص ان الملائكة ضجت حينها بالبكاء و هبت ريح عاصفة سوداء واصطفقت ابواب المسجد ، ونادى سيد الملائكة جبرائيل في تلك اللحظات : ((تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى، قتل سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء)). وما عاش الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد ذلك سوى ما يقارب ثلاثة ايام حتى رحل الى الله واخيه رسول الله شهيدا مظلوما صابرا محتسبا في الحادي والعشرين من شهر رمضان في السنة الاربعين للهجرة. لبــــس الإســــــلام أبـــراد الســـــــواد يـــــوم أردى المرتضى سيف المرادي ليـــــــلة مــــا أصبـــــحــــت إلا وقـــــد غـــــــلب الغــــــي عـــلى أمــر الرشاد والصـــــــلاح انخــــــفــــضت أعـــلامه وغــــــدت تــــــــرفع أعـــــلام الفــساد مـــــا رعـــــى الغـــــادر شــهر الله في حــــــجة الله عـــــــلى كـــــل العــــــباد وبــــبــــيـــــــت الله قــــــد جـــــــدلــــه ساجـــــدا ينـــــشج مــن خــوف المعاد قـــــــتـــــلوه وهــــــو فـــــي محــــرابه طــــــاوي الأحـــــشاء عـــن ماء وزاد فــــــبكتـــه الإنـــــس والجــــــن مــــعا وطيـــــور الجـــــو مـع وحش البوادي وبــــــكـــاه المـــــلأ الأعـــــــلى دمـــــا وغــــــدا جــــــبريل بالـــــويل يــــنادي هــــــدمـــــت والله أركـــــان الهــــــدى حــــــيث لا مـــــن منذرٍ فينا ينادي فالله أكبر من مصيبة ما أعظمها وما أعظم رزيتها في الاسلام ، وما أعظم حزنها في قلوب المسلمين ، وما أعظم خسارة الانسانية بهذه الرزية . فـــــيا أســـــفي عــــلى الــمـولى التقي أبــــــي الأطــــــهار حــــــيدرة الــزكي قتـــــله كـــــافر حــــــنــــــث زنـــيـــــم لعــــــين فـــــــــاســــق نــــــغل شقـــي فـــــــيلعن ربـــــنا مـــــن حــــاد عــنكم ويــــــبرء منــــــــكم لعـــــــناً وبــــــيّ لأنـــــكم بـــــيوم الحــــــشــــر ذخـــري وأنــــــتــم عـــــدة الهـــــادي النـــــبي
الكاتب : مهند سلمان آل حســين
اترك تعليق