غرة شهر رجب ولادة باقر العلم محمد بن علي السجاد عليهما السلام

نقف بإجلال وتقدير كبيرين عند إشراقة من حياة الإمام الخامس من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عند أبي جعفر الامام محمد الباقر عليه السلام مجمع الفضائل، ومنتهى المكارم سبق الدنيا بعلمه وامتلأت الكتب بحديثه، وكانت ولادته في يثرب سنة ( 57 هـ ) في غرة رجب يوم الجمعة، وقيل في اليوم الثالث من شهر صفر سنة ( 56 هـ )، وقد ولد قبل استشهاد جده الإمام الحسين عليه السلام بثلاث سنين وقيل بأربع سنين كما أدلى عليه السلام بذلك وقيل بسنتين وأشهر. وليس من نافلة القول في شيء إن قلنا إن الإمام أبا جعفر كان من أبرز رجال الفكر ومن ألمع أئمة المسلمين، ولا غرور من أن يكون كذلك بعد أن سماه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالباقر في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري، لأنه بقر العلم بقراً، أي فجره ونشره فلم يرو عن أحد من أئمة أهل البيت ـ بعد الإمام الصادق (عليه السلام) ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) فها هي كتب الفقه والحديث والتفسير والأخلاق، مستفيضة بأحاديثه، مملوءة بآرائه، فقد روى عنه رجل واحد من أصحابه ـ محمد بن مسلم ـ ثلاثين ألف حديث، وجابر الجعفي سبعين ألف حديث، وليست هذه بميزة له عن بقية الأئمة المعصومين، فعقيدتنا أنهم (عليهم السلام) متساوون في العلم، سواسية في الفضل، فهم يغترفون من معين واحد: كتاب الله وسنة رسوله، وما أودع الله فيهم من العلم اللدني بصفتهم أئمة الحق وساسة الخلق الكريم وورثة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله).

كان الإمام الباقر (عليه السلام) الرائد والقائد للحركة العلمية والثقافية التي عملت على تنمية الفكر الإسلامي، وأضاءت الجوانب الكثيرة من التشريعات الإسلامية الواعية التي تمثل الأصالة والإبداع والتطور في عالم التشريع بالرغم من الظروف التي مرت على الإمام الباقر (عليه السلام) التي كانت مؤاتية. فالدولة الأموية أصبحت في نهايتها واهية البنيان، مقلقلة الأركان، والثورات تقوم هنا وتهدأ هناك، فاستغل (عليه السلام) هذه الفرصة الذهبية ونشر ما أمكنه نشره من العلوم والمعارف، كما استغل ولده الإمام الصادق (عليه السلام) من بعده انشغال الدولتين الأموية والعباسية عنه، فأتم ما كان والده قد أسسه، ولو تيسر للإمام الجواد (عليه السلام) أن يحصل على ظرف مناسب كظرف الصادقين (عليهما السلام) فما كان ليقصر عن ذلك. فهو الذي أجاب في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة، لكن الظروف السياسية والاجتماعية تقوم بدورها في كل عصر. وهكذا كان بقية الأئمة (عليهم السلام) كواكب مشرقة على مفارق الطرق كل واحد منهم قام بدوره على أكمل وجه وفي ظروفه وأوضاعه.

ولذا فان الإمام الباقر (عليه السلام) قام بدور عظيم في بحوثه ومحاضراته على الفقه الإسلامي وخاض جميع ألوان العلوم الفقهية والعلمية والفلسفية، أما تفسير القرآن الكريم فقد استوعب اهتمامه فخصص له وقتاً، ودون أكثر المفسرين ما ذهب إليه وما رواه عن آبائه في تفسير الآيات الكريمة. وقد ألف كتاباً في التفسير رواه عنه زياد بن المنذر الزعيم الروحي للفرقة الجارودية.

وترك الإمام (عليه السلام) ثروة فكرية هائلة تعد من ذخائر الفكر الإسلامي، ومن مناجم الثروات العلمية في الأرض، وليس من المستطاع تسجيل جميع ما أثر عنه من العلوم والمعارف لأن ذلك يستدعي عدة مجلدات وبالذات ما سجله التاريخ من ناظراته (عليه السلام) لعلماء المسيحيين والفرق والملحدين، وقاوم الغلاة وخرج من مناظراته ضافراً باعتراف الخصم. لقد وقف حياته كلها لنشر العلوم الإسلامية بين الناس، عاش في يثرب كالينبوع الغزير يستقي منه رواد العلم من نمير علومه وفقهه ومعارفه، عاش لا لهذه الأمة فحسب، وإنما للناس جميعاً.

ولم يمت الإمام أبو جعفر (عليه السلام) حتف أنفه، وإنما اغتالته بالسم أيد اُمويّة أثيمة لا تؤمن بالله، ولا باليوم الآخر، وقد اختلف المؤرخون في الأثيم الذي أقدم على اقتراف هذه الجريمة.

فمنهم من قال: إن هشام بن الحكم هو الذي أقدم على اغتيال الإمام فدسّ اليه السم والأرجح هو هذا القول لأن هشاماً  كان حاقداً على آل النبي بشدة وكانت نفسه مترعة بالبغض لهم وهو الذي دفع بالشهيد العظيم زيد بن علي (عليه السلام) الى إعلان الثورة عليه حينما استهان به، وقابله بمزيد من الجفاء، والتحقير. ومن المؤكد أن الإمام العظيم أبا جعفر قد أقضّ مضجع هذا الطاغية، وذلك لذيوع فضله وانتشار علمه، وتحدث المسلمين عن مواهبه، ومن هنا أقدم على اغتياله ليتخلص منه.

ومنهم من قال: إنّ الذي أقدم على سم الإمام هو ابراهيم بن الوليد.

ويرى السيد ابن طاووس أنّ إبراهيم بن الوليد قد شرك في دم الإمام(عليه السلام) ومعنى ذلك أن إبراهيم لم ينفرد وحده باغتيال الإمام(عليه السلام) وإنما كان مع غيره.

وأهملت بعض المصادر اسم الشخص الذي اغتال الإمام (عليه السلام) واكتفت بالقول إنه مات مسموماً.

ولا يستبعد الباحثون والمؤرخون أن تكون أحداث دمشق سبباً من الأسباب التي دعت الاُمويين الى اغتياله (عليه السلام) وذلك لما يلي:

أ ـ تفوق الإمام في الرمي على بني اُمية وغيرهم حينما دعاه هشام الى الرمي ظاناً بأنه سوف يفشل في رميه فلا يصيب الهدف فيتخذ ذلك وسيلة للحط من شأنه والسخرية به أمام أهل الشام. ولمّا رمى الإمام وأصاب الهدف عدة مرات بصورة مذهلة لم يعهد لها نظير في عمليات الرمي في العالم، ذهل الطاغية هشام، وأخذ يتميز غيظاً ، وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، وصمم منذ ذاك الوقت على اغتياله.

ب ـ مناظرته مع هشام في شؤون الإمامة، وتفوق الإمام عليه حتى بان عليه العجز ممّا أدّى ذلك الى حقده عليه.

ج ـ مناظرته مع عالم النصارى، وتغلبه عليه حتى اعترف بالعجز عن مجاراته أمام حشد كبير منهم معترفاً بفضل الإمام وتفوّقه العلمي في أمّة محمد(صلى الله عليه وآله)، وقد أصبحت تلك القضية بجميع تفاصيلها الحديث الشاغل لجماهير أهل الشام. ويكفي هذا الصيت العلمي أيضاً أن يكون من عوامل الحقد على الإمام(عليه السلام) والتخطيط للتخلّص من وجوده.

وكانت شهادته عليه السلام في السابع من ذي الحجة سنة 114 هـ، و عمره الشريف 58 سنة .

اعداد : قيس العامري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اعلام الهداية ج7

معالم مشعة من حياة الباقر عليه السلام / د. حسين إبراهيم الحاج حسن