مسلم بن عقيل بن ابي طالب (عليه السلام) ابن عم الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) الذي ارسله الامام الحسين عليه السلام الى الكوفة لتمهيد البيعة له عليه السلام،ارسله الامام الحسين عليه السلام الى الكوفة، وواجه الصعوبات في الوصول الى الكوفه وذلك لعدم احرازه الطريق الصحيح الى الكوفة بسبب ضلال الدليلين الذين استاجرهما و اخذهما معه مما ادى به الى الضلال في طرقات الصحراء و مات الدليلان من شدة العطش و نجى ووصل الى الكوفة في اخر المطاف.
فكتب مسلم بن عقيل رحمه الله من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر_و هو الموضع الذي من خلاله نجى مسلم بن عقيل و اصحابه من متاهة الصحراء_ " أما بعد فاني أقبلت من المدينة مع دليلين لي فحازا عن الطريق فضلا، واشتد علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا، وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا، وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت، وقد تطيرت من توجهي هذا، فان رأيت أعفيتني عنه وبعثت غيري، والسلام ".
فكتب إليه الحسين (عليه السلام) " أما بعد فقد حسبت أن لا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن، فامض لوجهك الذي وجهتك فيه والسلام ".
فلما قرأ مسلم الكتاب قال: أما هذا فلست أتخوفه على نفسي، فأقبل حتى مر بماء لطيئ فنزل به ثم ارتحل عنه، فاذا رجل يرمي الصيد فنظر إليه قد رمى ظبيا حين أشرف له فصرعه، فقال مسلم بن عقيل: نقتل عدونا إن شاء الله.
ثم أقبل حتى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة وهي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيب، وأقبلت الشيعة تختلف إليه، فكلما اجتمع إليه منهم جماعة، قرأ عليهم كتاب الحسين (عليه السلام) وهم يبكون، وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا، فكتب مسلم إلى الحسين (عليه السلام) يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا ويأمره بالقدوم، وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل - رحمه الله - حتى علم بمكانه.
فبلغ النعمان بشير ذلك وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فاتقوا الله عباد الله، ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة، فان فيها تهلك الرجال، وتسفك الدماء، وتغصب الاموال إني لا اقاتل من لا يقاتلني، ولا آتي على من لم يأت علي، ولا انبه نائمكم ولا أتحرش بكم، ولا آخذ بالقرف، ولا الظنة، ولا التهمة، ولكنكم إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم، فو الله الذي لا إله غيره، لاضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن لي منكم ناصر، أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل.
و من الاحداث التي مرت على ثورة مسلم بن عقيل بالاختصار:
أولا: ما ذكره الشيخ المفيد في الارشاد: كان خروج مسلم بن عقيل رحمه الله بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين، وقتله رحمة الله عليه يوم الاربعاء لتسع خلون منه، يوم عرفة، وكان توجه الحسين عليه السلام من مكة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة، وهو يوم التروية بعد مقامه بمكة بقية شعبان و [شهر] رمضان وشوالا وذا القعدة وثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين، وكان قد اجتمع إلى الحسين عليه السلام مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز، ونفر من أهل البصرة، انضافوا إلى بيته ومواليه. ولما أراد الحسين عليه السلام التوجه إلى العراق طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وأحل من إحرامه وجعلها عمرة، لانه لم يتمكن من تمام الحج مخافة أن يقبض عليه بمكة، فينفذ [به] إلى يزيد بن معاوية، فخرج مبادرا بأهله وولده ومن انضم إليه من شيعته ولم يكن خبر مسلم بلغه لخروجه يوم خروجه على ما ذكرناه 3. وقال السيد " رض ": روى أبو جعفر الطبري ، عن الواقدي وزرارة بن صالح قال: لقينا الحسين بن علي عليهما السلام قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيام فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة، وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا الله، فقال عليه السلام: لولا تقارب الاشياء، وحبوط الاجر لقاتلتهم بهؤلاء، ولكن أعلم يقينا أن هناك مصرعي ومصرع أصحابي ولا ينجو منهم إلا ولدي علي.
ثانيا : خروج مسلم بن عقيل في الكوفة على رأس أربعة آلاف شخص ، ثم تفرقهم عنه، وبقائه وحيدا، واختفائه في دار طوعة .
ثالثا: طلب ابنُ زياد الزعيمَ الشيعيَّ هاني بن عروة ليتفاوض معه في بعض الشؤون. واغتر الرجل وذهب إلى قصر الإمارة، فلما دخله أخذوه وعذبوه ثم قتلوه، في حين أنهم أعطوه الأمان والمواثيق قبل قدومه القصر بأنه لا يمسُّه سوء منهم.
ثالثا: وحشدت شيعة علي (عليه السلام) أمرها وجاءت تحاصر قصر الإمارة تريد إنقاذ هانئٍ الذي خدعوه ومكروا به، ولم يكن - إذ ذاك - على قيد الحياة.
فإذا بأنصار بني أمية من فوق القصر، يطمئنون الناس ويهدئونهم بحياة هانئ، وأنه سوف يخرج إليهم بعد إجراء بعض المفاوضات.
ثم راحوا يهددونهم بجيش الشام، وأنه قد اقترب من حدود الكوفة مالهم به قبل أبداً، ورغَّبوهم بالأموال الطائلة التي سوف تهطل عليهم من الخزينة.. فإذا بالناس يتفرقون قليلاً قليلاً حتى سقطت الكوفة في أيدي هؤلاء.. وأول ما صنعوه قتل مسلم بعد ما قتلوا هانئ بن عروة غدراً ومكراً.
رابعا: ارسل الامام الحسين عليه السلام قيس بن مسهر الصيداوي الى الكوفه حاملا معه كتاب من الامام الحسين عليه السلام الذي كان نصه :
بسم الله الرحمن الرحيم
من الحسين بن علي (ع) الى : سليمان بن صرد الخزاعي ، والمسيب بن نجية ، ورفاعة بن شداد ، وعبدالله بن وال، وجماعة المؤمنين .
اما بعد فقد علمتم ان رسول الله (ص) قال في حياته : " من رأى سلطانا جائرا ، مستحلا لحرام الله ، ناكثا لعهد الله ، مخالفا لسنّة رسول الله (ص) ، يعمل في عباد الله تعالى بالاثم والعدوان ، ثم لم يغيّر بقول ولا فعل ، كان حقيقاً على الله تعالى ان يُدخله مدخله .
وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم ، انكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن وفيتم ببيعتكم ، فقد اصبتم حظكم ورشدكم ، ونفسي مع انفسكم ، واهلي وولدي مع اهاليكم واولادكم ، فلكم بي اسوة ، وان لم تفعلوا ونقضتم عهودكم وخلعتم بيعتكم ، فلعمري ما هي منكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي ، والمغرور من اغتر بكم ، فحظكم اخطأتم ونصيبكم ضيّعتم ، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ، وسيغني الله عنكم والسلام .
ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه الى قيس بن مُسهِر الصيداوي فلما قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير التميمي ، فقبض عليه ليفتشه ، فأرخرج قيس الكتاي فخرّقه اي مزّقه ، فحمله الحصين الى ابن زياد لعنه الله ، فلما مثل قيس بين يديه قال له : من انت ؟ قال : انا رجل من شيعة امير المؤمنين بن ابي طال عليهما السلام وابنه الامام الحسين علسه السلام ، قا ابن زياد : لماذا خرّقت الكتاب ؟ قال قيس " لئلا تعلم ما فيه ، قال ابن زياد : وممن الكتاب ؟ والى من ؟ قال قيس : من الحسين بن علي (عليه السلام) الى جماعة من اهل الكوفة لا اعرف اسماءهم .
فغضب ابن زياد ، وقال له : والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم او تصعد المنبر وتلعن الحسين بن علي واباه واخاه ، والا قطّعتك اربا اربا ، فقال قيس : اما القوم ، فلا اُخبرك بأسمائهم .
واما لعنة الحسين وابيه واخيه فأفعل ، فصعد المنبر وحمد الله تعالى واثنى عليه ، وصلى على النبي صلى الله عليه واله وسلم ، واكثر من الترحم على علي ووُلده صلوات الله تعالى علهم اجمعين ، ثم لعن عبيد الله بن زياد لعنه الله ، ولعن اباه لعنه الله ، ولعن عتاة بني امية عن اخرهم .
ثم قال :
انا رسول الحسين عليه السلام اليكم ايها الناس ، ان الحسين بن علي خير خلق الله ، وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله عليها السلام ، وانا رسوله اليكم ، وقد خلّفته بالحجاز فأجيبوه وقد خلفته بموضع كذا فأجيبوه.
فأمر به عبيد الله بن زياد ان يُرمى من فوق القصر ، فرُمي به صلوات الله عليه فتقطع .
خامسا : قتل مسلم بن عقيل(عليه السلام) و رميه من فوق قصر الامارة و سحبه في اسواق الكوفة بعد ان أخذ ابن زياد يشتمه ويشتم عليّاً وعقيلاً والحسن والحسين (عليهم السّلام) ، وأخذ مسلم لا يكلّمه . وفي رواية : أنه قال له : أنت وأبوك أحقّ بالشتيمة ، فاقضِ ما أنت قاضٍ يا عدو الله .
ثم قال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ، ثمّ اتبعوه جسده . ثمّ قال : أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسّيف ؟ فدعي بكر بن حمران فقال له : اصعد فلتكن أنت الذي تضرب عنقه . فصعد بمسلم وهو يكبّر ويستغفر الله ويصلّي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويقول : اللهمَّ ، احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذّبونا وخذلونا . وأشرفوا به على موضع من القصر فضُربت عنقه واُتبع رأسه جثّته .
اترك تعليق