مما لا ريب فيه أن النصوص الإسلامية، سواء كانت قرآناً كريماً أم سنة نبوية شريفة أم أحاديث مباركة عن أهل البيت قد تواترت على العموم في مسألة ربط الأمة المسلمة بأهل البيت(عليهم السلام) برباط الحب والمودةحتى أن ذلك أصبح من ضروريات الإسلام التي لا ينكرها إلا مكابر أو جهول ، فالقرآن العظيم يجعل مودة ذوي القربى وهم أهل البيت(عليهم السلام)(1) أجراً للرسالة الإسلامية وتبليغها، وذلك عندما يخاطب الرسول الكريم بقوله : (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)، ومما يروى عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك ما جاء في تفسير الإمام الثعلبي عن جرير بن عبد الله البجلي من حديث مفصل عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) جاء فيه : «ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً».
ومما يروى ما عن الزهري قال: «سمعت أنس بن مالك يقول : والله الذي لا آله إلاّ هو سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب(عليه السلام)»
وغير ذلك من النصوص التي لن نطيل بذكرها وإنما تراجع في مظانها، ومنها الجزء 27 الطبعة الجديدة من كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي، وقد ركز أهل البيت(عليهم السلام) أنفسهم على مسألة الحب، ووردت أحاديث كثيرة عنهم في هذا الصدد حتى كان الحب شعاراً لمن وعى منزلتهم، واتبع أسلوبهم الحياتي في تطبيق الإسلام الحنيف.
-الربط بينه وبين الحقيقة الكونية للحب:
لقد علّمنا القرآن الكريم أن هناك إطاراً رحيماً عاماً شاملاً لكل أنحاء الوجود يضم العلاقات المتواجدة فيها من أسماها وهي علاقة الخالق بالمخلوقين إلى أدناها من العلائق الشخصية والعائلية بل وحتى بين الإنسان والطبيعة، وهكذا أراد الله تعالى للحب أن يسود، ومبرراته واضحة في ضوء العقيدة الإسلامية، وإذا بدأنا بالإطار السامي بين الإنسان كأفضل مخلوق ورب الإنسان لاحظنا أروع علاقة حب تتفاوت درجاتهامن حب يقوم على المصلحة من زاوية نظر الإنسان، ولكنه على أية حال حب جارف إلى حب خالص واعٍ، يعد قمة في هذا المعنى، إنه حب الأولياء المخلصين الذين لم يحبوا طمعاً أو خوفاً بل غوراً في الواقع القائم، وسبراً لأبعاده وأعماقه.
والإسلام يمتلك خاصية جليلة هي أنه يبدأ بالأشياء ببداية بسيطة كإقامة حب على أساس مصلحي، ثم يرتفع بذاك الواقع إلى مستوى يجعله جزء من كيان الإنسان، ودافعاً ذاتياً يتحكم في سلوكه ويوجهه لصالح القضية الإنسانية العامة أما الحب من طرف الباري فهو وإن كان يخلق في نفوس السذج من المؤمنين نفس الإيحاءات البشرية عن الحب بين الكائنات، ولكنه في الواقع يعبرّ عن مرتبة من التعرض للعطاء الإلهي بصورة أكثر قرباً، والاختصاص بالرحمة والرضوان.
هذا مع أنني قد أجزم بأن الإيحاء الأول حاصل حتى عند كثير من المؤمنين الواعين ولكن بالنظرة الأولية، وهذا أيضاً بنفسه هو المقصود إذ إن الحب حرارة ولوعة وشوق... ومن هنا نجد أن النصوص القرآنية الكريمة تركز على عملية خلق الانفعال وشد العواطف للباري جل شأنه، ولكل ما يرتبط بتركيز فكره في السبيل المستقيم إلى حيث هدفه المنشود وذلك من مثل الآية الكريمة: (وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا)(1) (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ)(2) هنا ينطلق الباحثون الإسلاميون لاستعراض تطبيقات عملية لأسلوب مزج الوعي العقلي الخالص بالعواطف المبنية على أساس من توجيه صحيح مما يضمن لنا الموجّه الرائد، والطاقة الحرارية الدافعة، وهذا ما تؤكده الآية القرآنية الشريفة: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)(3) فالإيمان لن يكون خالصاً إلا إذا نفذ إلى الشعور والعواطف والأحاسيس، فجعلها مؤمنة وجنّدها لصالحه، ويتصاعد ذلك الحب شيئاً فشيئاً خصوصاً بعد تصور المحبوب وعطائه بصورة أشمل.
__________
(1) الإسراء: 108 ـ 109.
(2) المائدة : 83 .
(3) الحديد : 16 .
اترك تعليق