ان مصيبة الحسين (عليه السلام) وابنائه الكرام قد بلغت عنان السماء وبكت لها السموات والارض بالدماء وناحت لها الوحوش والحيتان في لجج الماء واقامت الملائكة فوق سبع الطباق مأتما ونصبت من اجلها مياه البحار والانهار وسكنت بسببها حركات الفلك الدوار كيف لا وقد اصبح لحم رسول الله اشلاء على التراب وأعضاؤه مفصلة بسيوف اهل البغي فلا قرت العيون بعد ذلك المصاب ولا التدت النفوس بلديد الطعام والشراب واعلم ان الشهر شهر حزن اهل البيت وشيعتهم .
وعن الامام الرضا (عليه السلام) قال : كان الكاظم (عليه السلام) اذا دخل شهر المحرم لم يرى ضاحكا وكانت كآبته تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة ايام فاذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول هذا اليوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام) .
وروي عن الامام الصادق (عليه السلام) انه اذا هل هلال عاشور اشتد حزنه وعظم بكاؤه على مصاب جده الحسين (عليه السلام) والناس يأتون اليه من كل جانب ومكان يعزونه بالحسين ويبكون وينوحون على مصاب الحسين فإذا فرغوا من البكاء يقول لهم : ايها الناس اعلموا ان الحسين حي عند ربه يرزق من حيث يشاء وهو (عليه السلام) دائما ينظر الى مكان مصرعه ومن حل فيه من الشهداء وينظر الى زواره والباكين عليه والمقيمين العزاء عليه وهو اعرف بهم وبأسمائهم واسماء آبائهم وبدرجاتهم ومنازلهم في الجنة وانه ليرى من يبكي عليه فيستغفر له ويسأل جده واباه وامه واخاه ان يستغفروا للباكين عليه والمقيمين عزاه ويقول لو يعلم زائري والباكي علي لانقلب الى اهله مسرورا وما يقوم من مجلسه الا وما عليه ذنب وصار كيوم ولدته امه.
وعنه (عليه السلام) قال : لما قتل الحسين (عليه السلام) بكت عليه السموات السبع ومن فيهن من الجن والانس والوحوش والدواب والاشجار والاطيار ومن في الجنة والنار وما لا يرى كل ذلك يبكون على الحسين ويحزنون لاجله الا ثلاث طوائف من الناس فأنها لم تبكي عليه ابدا فقيل فمن هذه الثلاثة التي لم تبك على الحسين (عليه السلام) فقال هم : اهل دمشق واهل البصرة وبنو امية .
فما عذر من هلّ عليه شهر عاشور وتغافل عن هذه المصيبة التي ابكت كل عين ؟؟
وعن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال : اذا هلّ هلال المحرم نشرت الملائكة قميص الحسين (عليه السلام) وهو مخضب بالدماء فنراه نحن ومن احبنا نراه بالبصيرة لا بالبصر أي يعيش في مشاعرنا فتحزن لذلك نفوسنا وعندما يأتي هذا الشهر تأتي معه هذه الذكريات الاليمة تأتي معه صور من واقعة الطف وتعود الى الذهن صور مما جرى في واقعة الطف فيكثر الحزن والالم اذا هل على اهل البيت هذا الشهر يعقدوا له المأتم فلقد كان الامام الصادق (عليه السلام) يجتمع مع شيعته وخاصته ويعقد المأتم ويستدعي بعض الشعراء ويكلفهم ان ينظموا في واقعة الطف القصائد الحزينة ويجلس نساؤه من وراء الستر ويروي المؤرخين لما دخل دعبل الخزاعي على الامام الرضا (عليه السلام) وأنشأ قصيدته بينما هو ينشد الشعر على الحسين (عليه السلام) واذا بجارية من وراء الستر وقد خرجت فاندهش الجالسين لانهم لم يعتادوا ذلك من جواري الامام ان يخرجوا امام الناس خرجت تحمل على يديها شيء ودنت من الامام واذا بها تحمل رضيعا على يديها ووضعته بين يدي الامام لما نظر اليه الامام علا نحيبه لانها ارادت ان تصور له صورة ومشهد من صور الطف وتقرب الى ذهنه شيء مما وقع في كربلاء وهو ذبح الاطفال هذا الطفل اهاج وجد الامام فانتحب انتحابا عاليا وجرت دموعه على خديه وتذكر كلما جرى في هذا الشهر من المصائب .
لقد كان هذا الشهر اذا هل هلاله على بني هاشم من بعد واقعة الطف تتحول بيوتهم الى حزن ولوعة . وقيل بالاخص اذا مر هذا الشهر على الوديعة زينب (عليه السلام) فهي التي شاهدت ما جرى فيه من المصائب والمحن اذا مر عليها هذا الشهر تجول بديار بني هاشم من دار الى دار.
وروي عن الريان ابن شبيب: قال دخلت على الامام الرضا (عليه السلام) في اول يوم من المحرم فقال لي يابن شبيب اصائم انت ؟ فقلت ان هذا اليوم هو الذي دعا زكريا ربه فقال ربي هب من لدنك درية طيبة انك سميع الدعاء فاستجاب الله تعالى وامر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في المحراب ان الله يبشرك بيحي ، يا بن شبيب ان المحرم هو الشهر الذي كان اهل الجاهلية يحرمون فيه القتال لحرمته فما عرفت هذه الامة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته وسبوا نسائه وانتهبوا رحله فلا غفر الله لهم ذلك ، يا بن شبيب ان كنت باكيا لشيئ فابكِ الحسين ابن علي ابن ابي طالب (عليه السلام) فأنه ذبح كما يذبح الكبش وقتل معه من اهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الارض شبيه ولقد بكت السماء والارض لقتله ولقد نزل الى الارض من الملائكة اربعة آلاف لنصرته فلم يؤذن لهم فهم عند قبره شعث غبر الى ان يقوم القائم (عليه السلام) فيكونون من انصاره وشعارهم يالثارات الحسين ..
يا بن شبيب لقد حدثني ابي عن جده (عليه السلام) انه قال : لما قتل جدي الحسين (عليه السلام) امطرت السماء دما وترابا احمر ، يا بن شبيب ان سرك ان تلقى الله ولا ذنب عليك فزر الحسين ، يا بن شبيب ان سرك ان تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي (صلى الله عليه وآله) فالعن قاتله (عليه السلام) يا بن شبيب ان سرك ان تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعليك بولايتنا فلو ان رجلا احب حجرا لحشره الله معه يوم القيامة.
فيجب علينا يا شيعة ان نواسي اهل البيت (عليه السلام) في هذا المصاب الذي اهتز العرش لأجله ونذكر ما جرى عليه ونذكر عطشه وعطش اطفاله وعطش ذلك الطفل الرضيع الذي ابو ان يسقوه الماء وقد كاد قلبه ان ينفطر من الظمأ .
اترك تعليق