احتلت سورة الكوثر مساحة واسعة من المرتكز الاسلامي الذي يؤكد أن المقصود من الكوثر هو فاطمة(عليها السلام)، فانّ مقتضى سياق الآية في مقابل الشانيء الذي هو ابتر لا ذرية له، بخلاف النبي(صلى الله عليه وآله) فانّ له الكوثر أي الذرية الكثيرة وهي فاطمة(عليها السلام) وما يحصل من ذريتها، ومقتضى المقابلة هو في كثرة الذرية، وإلا لإختلّت المقابلة، والاثبات والنفي لم يردا على شيء واحد، وهذا لا ينافي تأويل الكوثر بأنه نهر في القيامة يسقي به النبي(صلى الله عليه وآله)أمّته فالكلام في مورد نزول الآية، وقد ذهب الى ذلك الفريقين.
قال العلاّمة الطبرسي في تفسير جوامع الجامع لقوله تعالى: (انّا اعطيناك الكوثر) قال: هو كثرة النسل والذرية، وقد ظهر ذلك في نسله من ولد فاطمة (عليها السلام) اذ لا ينحصر عددهم، ويتصل بحمد الله الى اخر الدهر عددهم، وهذا يطابق ما ورد في سبب نزول السورة وهو أن العاص بن وائل السهمي سمّاه الابتر لمّا توفي ابنه عبدالله وقالت قريش: ان محمداً صبور فيكون تنفيساً عن النبي(صلى الله عليه وآله) ما وجد في نفسه الكبيرة من جهة فعالهم وهدماً وقد ذهب الى ذلك الفخر الرازي بقوله: الكوثر اولاده(صلى الله عليه وآله)لأن هذه السورة نزلت رداً على من عابه بعدم الاولاد، فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان، فانظر كم قتل من اهل البيت ثم العالم ممتلى منهم ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يُعبأ به(2).وبالفعل فانّ الاحصائيات تشير الى أن سدس سكان المغرب العربي مثلاً هم من بني فاطمة(عليها السلام) من السادة الحسنيين أي بنسبة خمسة ملايين من مجموع ثلاثين مليوناً.
وهذا أظهر مصاديق الكوثر المشار اليه في الآية الكريمة، اذ ذلك العطاء كان بمقتضى شكره(صلى الله عليه وآله) لربّه واقامة الصلاة والدعاء والثناء عليه تعالى، ولا يخفى ارتباط حقيقة النهر المسمّى بالكوثر بها سلام الله عليها، لأن بين التأويل والظاهر دوام ارتباط.ولا يخفى أن المباهاة بها (عليها السلام) من قبل الله تعالى لنبيّه على عدوه، يعطي دلالات لحجيتها، اذ الآية في مقام بيان كرامة النبي(صلى الله عليه وآله) عند الله تعالى وكرامته هذه مقرونة بحيازته (صلى الله عليه وآله) لأفضل مخلوق وصفه الله تعالى بالكوثر ـ أي الخير الكثير ـ ولا تتم ذلك إلا بكون مورد المباهاة من الخير المطلق الكامل التام.
المصدر / مقامات فاطمة الزهراء (لـ محمد علي الحلو).
____________1- تفسير جوامع الجامع للعلامة الطبرسي: 553، الطبعة الحجرية.2- تفسير الفخر الرازي16: 118، دار الفكر بيروت.
اترك تعليق