الضمير (عنكم) في آية التطهير هل هو خطاب للحاضر أو الغائب؟ _ الرد: السيد مهدي الجابري

قال عز ذكره:{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (سورة الأحزاب 33) .

السؤال: هل الضمير (عنكم) الوارد في الآية الشريفة هو خطاب للحاضر فتختص الآية بأهل بيت النبي صلوات الله عليهم أجمعين, أو للغائب فتشمل نساء النبي صلى الله عليه وآله فلا تكون الآية خاصة بالعترة الطاهرة؟

الجواب:

بدايةً أقول:

 تقديم الجارِّ والمجرور{عنكم}على المفعول به{الرجس} خلافٌ للأصل في الترتيب اللغويّ والنحويّ؛ لأنّ الأصل في الجملة الفعليّة أنْ يأتي الفعلُ أولاً والفاعلُ ثانياً والمفعول به ثالثاً ثم بقية الفضْلات ( الجار والمجرور , الظرف...) وفي ذلك دلالةٌ على أنّ المخاطب بها هو محلُّ العناية وموطن الاهتمام, فقوله تعالى: {عنكم الرجس}, كقوله على لسان السيدةِ آسية بنت مزاحم رضوان الله عليها: { ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } (سورة التحريم 11),  بتقديم { عِنْدَكَ }, الظرف على المفعول به { بَيْتًا }, رغم تقدم المفعول به رتبة.

كذلك جاء الضمير(عنكم) في قوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ }, مقدماً على كلمة (الرجس), مع أنّ ترتيب الجملة الاعتياديّ يكون كما يأتي : (ليُذهِب الرجسَ عنكم),  فهلْ في هذا التقديم دلالةٌ على أمرٍ ماً , أو أنّه تقديمٌ لا غايةَ تُرجى مِنْ ورائه ؟ , والثاني واضح البطلان , فيتعيّن الأول، وهو أنّ دلالة التقديم لها مغزىً، ويكتنفها معنى, وهو حصْر الإذهاب أيْ حصر إذهاب الرجس عن المخاطَبين , وهم أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) .

وقد يُقال: إنّ الضمير (عنكم) في الآية الشريفة هو للغائب فيكون المخاطَب بذلك نساءَ النبيِّ صلى الله عليه وآله .

أقولُ : الضمير لغةٌ من الضمور وهو الهُزال؛ لقلة حروفه, أو من الإضمار وهو الإخفاء لكثرة استتاره .

وفي الاصطلاح : هو ما كني به عن الظاهر اختصاراً, وقيل : ما دلّ على حضورٍ أو غيبةٍ لا من مادّتهما , فالدالُّ على الحضور نوعان :

أحدهما: ما وُضع للمتكلم , مثل : { وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ } (غافر 44).

الثاني: ما وُضع للمخاطَب, مثل:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}(الفاتحة 7)

وهذان لا يحتاجان إلى مرجعٍ اكتفاءً بدلالة الحضور عليه , والدال على الغائب , وهو ما وُضع للغائب , ولا بدّ له من مرجعٍ يعود عليه .

والأصل في المرجع أنْ يكون سابقاً على الضمير لفظاً ورتبةً, مطابقاً له لفظاً ومعنى مثل : { وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ } (هود 45)(1).

وعليه, فضمير الخِطاب في لفظ (عنكم) لا يحتاج إلى مرجع؛ لدلالة الحضور عليه, وهي هنا "أهل البيت" (عليهم السلام), الحاضرون مع رسول الله (صلى الله عليه وآله), المجتمعون تحت الكساء؛ لأن الدالَّ على الغائب هو ما وُضع للغائب , وعندها لا بدّ له من مرجع يعود عليه , والضمير في الآية – محلِّ البحث – ليس للغائب بل هو للحاضر كما تقرّر فيما تقدّم.

ويتضح لك ذلك عند إعراب كلمة (أهل) في المركَّب من (أهل البيت), حيث أُعربت كلمة "الأهل" على أنها منصوبةٌ على الاختصاص والناصب لها تقديره أخصُّ "أهل", و"البيت" , تُعرب على أنها مضافٌ إليه(2).

ومعنى الاختصاص هو : " إصدار حكمٍ على ضميرٍ لغير الغائب, بعده اسمٌ ظاهرٌ معرفةٌ, معناه معنى ذلك الضمير, مع تخصيص هذا الحكم بالمعرفة, وقصرِه عليها.

 الغرض منه: الغرض الأصليّ من الاختصاص الاصطلاحي هو: التخصيصُ والقصر "(3).

ومما تقدّم يُعلم أنّ الضمير في قوله تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ }, هو ضميرُ خطابٍ وليس غيبةً , حيث إنّ الجارّ والمجرور , أي الضمير (عنكم), جاء بعده اسمٌ معرفة ظاهرٌ، وهو لفظ (أهل البيت) , وهما بمعنى واحد , فالضمير (كافُ الخطاب), في لفظِ (عنكم), يُقصد منه (أهل البيت), مع تخصيص الإذهاب- أي إذهاب الرجس – بهم وقصرِه عليهم .

وقوله تعالى:{عَنْكُمُ الرِّجْسَ}, كقوله على لسان السيدة آسية بنت مزاحم: {ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا } (سورة التحريم 11), بتقديم {عِنْدَكَ}, الظرف على المفعول به { بَيْتًا} رغم تقدُّم المفعول به رتبةً.

والشواهد من القرآن في هذا الشأن كثيرةٌ لا تكاد تحصى , وقد اتضح لك الحقُّ مما تقدم, وظهر ظهوراً واضحاً, وتحدّدَ المقصودُ تحديداً دقيقاً, طارداً كلَّ الاحتمالات غير المرادة, فزال به الإشكال، وتحرّر الجواب.

الكاتب: السيد مهدي الجابري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)- تفسير العثيمين , الفاتحة والبقرة , 1 : 65 .

(2)- إعراب القرآن – للدعاس- 3 : 50 .

(3)- النحو الوافي –لعباس حسن- 4 : 120 .