قال أهل البيت (عليهم السلام) إن الله تعالى يعرف بالعقل ويرى بالقلب، ويستحيل أن تراه العيون، لأنها لاترى إلا الشيء المادي الذي يخضع لقوانين الزمان والمكان، والله تعالى لا تدركه الأبصار بل ولا الأوهام: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). (سورة الشورى: 11)
في الإحتجاج:2/190: من حديث الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان، ولا يدرك بالأبصار والأوهام). ونحوه في الكافي:1/143 عن الإمام الصادق (عليه السلام).
وروى الآخرون كالبخاري أن الله تعالى يرى في الآخرة، وقال بعض الحنابلة إن الله يرى في الدنيا أيضاً!
وأول ما ظهرت أحاديث الرؤية بالعين والتشبيه من كعب الأحبار في زمن عمر، وقد كذبه أمير المؤمنين (عليه السلام) في مجلس عمر، وكذبه أهل البيت (عليهم السلام) كما كذبت عائشة حديثهم الذي زعموا فيه أن النبي (صلى الله عليه وآله) رأى ربه، وكذبه ابن عباس وابن مسعود، وجمهور الصحابة.
روى المجلسي في البحار:36/194: (عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوماً وعنده كعب الحبر،
إذ قال (عمر): يا كعب أحافظ أنت للتوراة ؟
قال كعب: إني لأحفظ منها كثيراً.
فقال رجل من جنبة المجلس: يا أمير المؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه، ومِمَّ خلق الماء الذي جعل عليه عرشه؟
فقال عمر: يا كعب هل عندك من هذا علم؟
فقال كعب: نعم يا أمير المؤمنين، نجد في الأصل الحكيم أن الله تبارك وتعالى كان قديماً قبل خلق العرش وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه! قال ابن عباس: وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) حاضراً، فَعَظَّمَ عَلِيٌّ رَبَّهُ وقام على قدميه ونفض ثيابه ! فأقسم عليه عمر لمََّا عاد إلى مجلسه، ففعله.
قال عمر: غُصْ عليها يا غواص ما تقول يا أبا الحسن، فما علمتك إلا مفرجاً للغم.
فالتفت علي (عليه السلام) إلى كعب فقال: (غلط أصحابك وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه!)
يا كعب ويحك! إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قدمته، وعزّ الله وجل أن يقال له مكان يومى إليه، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون، ولكن كان ولا مكان بحيث لا تبلغه الأذهان، وقولي (كان) عجز عن كونه وهو مما عَلَّمَ من البيان يقول الله عز وجل (خَلَقَ الأِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) فقولي له (كان) مما علمني من البيان لأنطق بحججه وعظمته، وكان ولم يزل ربنا مقتدراً على ما يشاء محيطاً بكل الأشياء، ثم كَوَّنَ ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غير شيء، ثم خلق منه ظلمة، وكان قديراً أن يخلق الظلمة لا من شيء كما خلق النور من غير شيء، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبعٍ أرضين، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماءً مرتعداً، ولا يزال مرتعداً إلى يوم القيامة، ثم خلق عرشه من نوره وجعله على الماء، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فيها لغة تشبه الأخرى، وكان العرش على الماء من دونه حجب الضباب وذلك قوله: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ).
يا كعب ويحك! إن من كانت البحار تفلته على قولك، كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه!
فضحك عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر، وهكذا يكون العلم، لا كعلمك يا كعب. لا عشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن).
المصدر / كتاب ألف سؤال واشكال الى المخالفين لأهل البيت الطاهرين / تأليف علي الكوراني العاملي.
اترك تعليق