نصصنا في الحلقة السابقة على بطلان تقدم المفضول على الفاضل و على اهمية الامامة واختيار الامام ،ومن هنا فاننا نلاحظ وعبر مسار البشرية الطويل ظاهرة القيادة وهي تواكب التاريخ الانساني. ونكمل بحثنا هنا و اكمال تسلسل الآيات الكريمة التي نستفاد منها في الاستدلال على ضرورة تعيين الامام من قبل امر رباني .
الآية الاولى: قوله تعالى{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(1).فقد اتفق المفسرون والمحدثون من العامة والخاصة انها نزلت في علي بن ابي طالب (عليه السلام) لما تصدق بخاتمه على المسكين في الصلاه بمحضر من الصحابة وهو مذكور في الصحاح الستة، وممن روى نزول الآية في علي من المخالفين السيوطي باسانيد كثيرة (2) ، وامامهم الرازي بسندين (3)، والزمخشري (4)، والبيضاوي(5) ، والنيسابوري(6) ، وابن البتيع ، والواحدي ، والسماني ، والبيهقي ،والنثري ، وصاحب المشكاة ، ومؤلف المصباح ، والسدي، ومجاهد ، والحسن البصري ، والاعمش، وعتبة ابن ابي حكيم ، وغالب بن عبد الله، وقيس بن الربيع، وعباية بن ربعي، وابن عباس ، ورواها ابو ذر وجابر بن عبد الله الانصاري ، ونظمها حسان وغيره من الشعراء.
ووجه الاستدلال بالآية ان (إنما) للحصر باتفاق اهل اللغة والولي بمعنى الاولى بالتصرف المرادف للامام ، والخليفة هو معنى مشهور عند اهل اللغة والشرع كقوله (صلى الله عليه وآله)ايما امرأة نكحت نفسها بغيير اذن وليها فنكاحها باطل ، وقولهم السلطان ولي الرعية وفلان ولي الميت ،والولي وان استعمل في اللغة بمعنى الناصر و المحب الا انهما لا يناسبان المقام لأن المحب والناصر غير منحصرين فيمن ذكر في الآية بل عامان لجميع المؤمنين كما قال تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ولفظ الجميع اما للتعظيم او لشمول سائر الائمة الطاهرين (عليهم السلام).
الآية الثانية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}(7).فقد روى العامة(8) ومنهم ابو نعيم عن ابي سعيد الخدري ان النبي (صلى الله عليه وآله) لما اخذ بضبعي علي (عليه السلام) يوم الغدير لم يتفرق الناس حتى نزلت هذه الآية فقال (صلى الله عليه وآله)((الله اكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضاء الرب ورضاء الرب برسالتي وبالولاية لعلي (عليه السلام)من بعدي)) ثم قال (صلى الله عليه وآله) :((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والي من والاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)).
الآية الثالثة: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (*) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (*)}(9).روى الفقيه ابن المغازلي الشافعي مسندا عن ابن عباس قال:كنت جالسا مع فئة من بني هاشم عند النبي (صلى الله عليه وآله) اذ انقض كوكب ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):من انقض هذا النجم في في منزله فهو الوصي من بعدي، فقام فئة من بني هاشم فنظروا فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي بن ابي طالب (عليه السلام)فقالوا :يا رسول الله قد غويت في في حب علي(عليه السلام) فنزلت الآية.الآية الرابعة:{ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}(10).فقد روى العامة (11)والخاصة ان الذي على بينة من ربه رسول الله (صلى الله عليه وآله) والشاهد الذي يتلوه علي(عليه السلام) ، ولأجل شرافته جعله الله منه بمنزلة بعض جسده إشارة الى كونه تاليا لرسول الله (صلى الله عليه وآله)وخليفته بعده بلا فصل ، وان قيل المراد كونه تاليا له في الفضل ثبت المطلوب ايضا لقبح تقديم المفضول على الفاضل ،وهذه الآية تدل على عصمته ايضا لان الشاهد الواحد اذا لم يكن معصوما لم تثبت به الدعوى فتدل الآية على إمامته ايضا من هذه الجهة.
الآية الخامسة:{ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}(12).وقد روى العامة(13) والخاصة بطرق عديدة عن النبي (صلى الله عليه وآله)انه قال: ((انا المنذر وعلي (عليه السلام) الهادي وبك يا علي يهتدي المهتدون . فيكون اماماً لقوله تعالى : {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ})) (14). وفيها ايضا دلالة على احقية مذهب الامامة من عدم خلو الزمان من حجة هاد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1):سورة المائدة الآية :55.(2):تفسير الدر المنثور،ج2 ، ص293.(3):تفسير الفخر الرازي، ج3 ،ص618.(4):تفسير الكشاف ، ج1 ،ص264.(5): تفسير البيضاوي، ص154.(6): تفسير غرائب القرآن ج2 ،ص28. وانظر مجمع البيان للطبرسي ج6 ،ص165. ونور الابصار للشبلنجي ص69 .وكنز العمال ج6 ،ص391.(7):سورة المائدة ،الآية: 1-3.(8):انظر الدر المنثور للسيوطي ج2، ص259.(9):سورة النجم ،الآيتان :1-2.(10):سورة هود، الآية :17.(11):انظر تفسير الفخر ،ج5، ص68. وتفسير الطبري ج12،ص10. والدر المنثور في تفسير سورة هود ، والنيسابوري ج2،ص317، وشرح النهج الحديدي ج2،ص236.(12):سورة الرعد ، الآية :7.(13):انظر تفسير روح البيان ج3،ص 230. والدر المنثور ج4،ص45،وتفسير الفخر ج5،ص272. والنيسابوري ج2،ص367. ومنتخب كنز العمال ج5،ص43. وينابيع المودة ج1، ص89. ونور الابصار للشبلنجي ص69.(14):سورة يونس، الآية:35.
اترك تعليق