لقد وردت في هذا المجال آيات وروايات كثيرة بيّنت فلسفة وجود الأنبياء مثل: إكمال وتثبيت الدين، حل الاختلافات، فك الخصومات،إقامة القسط والعدل في المجتمع، تزكية النفوس، تعليم الكتاب والحكمة، وإتمام الحجّة وإلقائها على العباد. الهدف الأوّل: إقامة ونشر التوحيد والوحدانيةإنّ الهدف من خلق الإنسان يكمن في معرفته بالمبدأ والمعاد وأنّ الإنسان الفاقد لتلك المعرفة إنسان ناقص قد توقّف عند حدود الجانب الحيواني فقط.وأمّا الموجودات الأُخرى كالنباتات والحيوانات فإنّها تتكامل من خلال قوّة الغريزة المودعة فيها، ولكن الإنسان المزود بقوتي الغريزة والعقل لا يتمكن من خلال هذين العنصرين من الوصول إلى الكمال المطلوب، والشاهد على ذلك التاريخ الطويل للإنسان حيث نرى وعلى طول تلك الفترة أنّه قد أناخ ركابه في حضيض ومستنقع الانحراف عن التوحيد والوحدانية والحق والمعرفة ومازلنا نشاهد أكثر من مليار إنسان مازالوا يخضعون أمام الأصنام المتعددة من الجمادات والحيوانات قد استولت عليهم تلك الأوثان وسلبتهم شخصيتهم التي ينبغيأن يكونوا عليها، وكذلك مازلنا نشاهد في الهند الملايين من الناس يعبدون الأبقار مندون اللّه سبحانه، وكذلك نجد في اليابان ـ تلك الدولة الصناعية ـ انّ الشعب الياباني قد صنع لكلّ ظاهرة كونية تمثالاً ورمزاً ونسب تلك الظاهرة إلى ذلك الرمز.وعلى هذا الأساس من اللازم في كلّ عصر وزمان يكون فيه الناس على استعداد لتلقي الدعوة الإلهية أن يبعث اللّه الأنبياء (عليهم السلام) ليرشدوا الناس إلى ذلك الهدف (التوحيد) الذي تنطوي فيه عملية تكامل الإنسان ورقيّه، وفي غير هذه الصورة لا يمكن أن يتحقّق الغرض من الخلقة ولا يمكن أن ينال الإنسان آماله وطموحاته التي يرنو إليها.وهناك سلسلة من الآيات القرآنية الكريمة توضّح وبجلاء هذا الهدف نذكر هنا بعضاً منها:1. {وَلَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ أُمَّة رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ... } .[النحل: 36]2. {وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ وَارْجُوا اليَومَ الآخِرَ...} .[العنكبوت: 36]3. {وَإِلى عاد أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَومِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِله غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُون} .[الأعراف: 65.]إنّ مجموع هذه الآيات يشهد على أنّ أحد الأهداف لبعثة الأنبياء هو تحقيق معرفة الإنسان بالمبدأوالمعاد بنحو إذا لم يكن الأنبياء فيأوساط المجتمع لا يتحقق ذلك الهدف إلاّ نادراً، وكما ذكرنا سابقاً إنّه ومع كلّهذا التطور الحضاري والقفزة الصناعية والعلمية مازال الإنسان متمسّكاً بالشركوالوثنية، ومازال المسيحيون يعتقدون إلوهية المسيح.فياترى كيف يكون مسير البشرية بالنسبة إلى المبدأ والمعاد إذا لم يبعث في أوساطهم أمثال هؤلاء المعلّمين الإلهيّين؟! ويكفيك أن تفكر في عمق الفاجعة التي تحل بالبشرية حينئذ.وبالإضافة إلى الآيات التي ذكرناها فإنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) قد أشاروا إلى هذا الهدف من بعثة الأنبياء في مطاوي أحاديثهم (عليهم السلام) ، وها نحن نذكر بعض تلك الكلمات لتوضيح ذلك الهدف.يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في ضمن حديث:«ولابعَثَ اللّهُ نَبِيّاً ولا رَسُولاً حتّى يَسْتَكْمِلَ الْعَقْلُ، وَيَكُونَ عَقْلُهُ أَفْضَلَ مِنْ عُقُولِ أُمَّتِهِ».[1]ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) :«إلى أنْ بَعَثَ اللّهُ سُبحانَهُ مُحَمَّداً رسول اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) لإنْجازِ عِدَتِهِ وَتَمام نُبُوَّتِهِ... وَأَهْل الأَرضِ يَومَئِذ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَهْواءٌ مُنْتَشِرَةٌوَطَرائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ، بينَ مُشَبِّه للّهِ بِخَلْقِهِ أَو مُلْحِد في اسْمِهِ أَوْ مُشيرإِلى غيْرِهِ، فَهَداهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ وَأَنْقَذَهُمْ بِمَكانِهِ مِنَ الجَهالَةِ».[2] لقد أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا المقطع من الخطبة إلى توجّهات انحرافية في المجتمع والعدول عن جادة التوحيد، وأشار(عليه السلام) إلى الغرض من بعثة الأنبياء وبيّن أنّهم بعثوا لإنقاذ المنحرفين من الضلالة وهدايتهم وإعادتهم إلى ساحة النور والتوحيد. كذلك يشير أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ذلك الغرض بقوله:«وَلِيَعْقِلَ العِبادُ عَنْ رَبِّهِمْ ما جَهَلُوهُ، فَيَعْرِفُوهُ بِرُبُوبِيَّتِهِ بَعْدَ ما أَنْكَرُوا، وَيُوَحِّدُوهُ بالإلهِيَّةِ ِ بَعْدَ ما أضدّوهُ».[3]ونظيرذلك ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) :«لِيَعْقِلَ العِبادُ عَنْ رَبِّهِمْ ما جَهَلُوهُ وَعَرَفُوهُ بِرُبُوبِيَّتِهِ بَعْدَ ما أَنْكَرُوا، وَيُوحِّدُوا بِالإِلهيّةِ بَعْدَ ما أَضَدّوهُ».[4] الهدف الثاني: حلّ الاختلافاتإنّ الهدف الثاني لبعثة الأنبياء هو رفع الاختلافات والتمزّق الذي يحدث في المجتمعات، حيث إنّ الأنبياء بعثوا وهم يحملون التعاليم والشرائع السماوية لوضع حدّ لهذه الاختلافات وهذا التفرّق، وبالطبع إنّ هذهالتشريعات إنّما تجدي نفعاً في الأوساط المؤمنة والمعتقدة بأحقيّة التشريع السماوي، وأمّا الجماعات التي غلبت عليها روح التجاوز والبغي، فانّها وبلا شكّ لا تخضع لمثل هذه التعاليم السماوية، بل انّها تسعى وبكلّ جهد لتشديد حالة الاختلاف وتعميق الفرقة في المجتمع.ولقـدأشـارت الآيـة المباركـة إلى هذا الهـدف مـن بعثـة الأنبيـاء حيث قال سبحـانه:{كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتابَ بِالحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاّ الَّذينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراط مُسْتَقيم} . [البقرة: 213] الهدف الثالث: فصل الخصوماتإنّ بعض الأنبياء (عليهم السلام) بالإضافة إلى قيامهم بالتبليغ وتبيين أحكام الشريعة للناس استطاعوا أن يقوموا بتشكيل حكومة إلهية، ومن الطبيعي إنّه لا يمكن لأي حكومة كانت أن تستغني عن السلطات الثلاث:1.القانون2.المنفذون للقانون.3.القضاة ليحكموا بين الناس بالعدل والقسط في حال ظهور الاختلاف في الموضوعات.ويطلقعلى هذه السلطات الثلاثة اسم: القوة التشريعية،القوة التنفيذية، القوة القضائية.ويجمع هذه السلطات الثلاثة عنوان الحكومة.ولقد أشار القرآن الكريم إلى أسماء عدد من الأنبياء الذين قاموا ـ بالإضافة إلى المقام السامي لتبليغ أحكام اللّه والإرشاد والهداية ـ بفصل الخصومات التي كانت تقع بينالناس في الموضوعات. والجدير بالذكر أنّ هذه الاختلافات لم تكن من قبيل الاختلاف في الأحكام الإلهية، بل أنّ المتخاصمين كانوا يؤمنون بأصل الأحكام الإلهية، ولكنّهم وبسبب جهلهم وعدم معرفتهم بتلك الأحكام المتعلّقة بموضوع النزاع يلتجئون إلى الأنبياء (عليهم السلام) طالبين منهم بيان الحكم الإلهي في الموارد المتنازع فيها، وفي الحقيقة إنّ هذا ـ أيضاًـ هو أحد الأهداف المهمة لبعثة الأنبياء الذي يمكن أن يعتبر فرعاً من الأصل الكلّي الذي هو(فصل الخصومات)، وهانحن نشير إلى بعض النماذج من آيات الذكر الحكيم التي تشير إلى هذا المعنى:يقول سبحانه وتعالى في حقّ داود (عليه السلام):{يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ...} . [ص: 26] ،وفي آية أُخرى يصفه سبحانه بقوله: {...وَآتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمّا يَشاءُ...} [البقرة: 251])ومن الطبيعي جدّاً إنّ الذين يكون بيدهم زمام قيادة المجتمع يجب أن يكونوا هم القضاة والحكام في المجتمع، سواء كان ذلك بصورة مباشرة بأن يتصدوا بأنفسهم لمسند القضاء، أو يكون ذلك بصورة غير مباشرة، وذلك من خلال تعيين ونصب القضاة الصالحين في المجتمع.ولقد أشارت بعض الآيات المباركة إلى منهجية وطريقة القضاء عند داود وسليمان عليمها السَّلام حيث قال سبحانه و تعالى في وصفهما: {...وَكُلاًّ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً..}.[الأنبياء: 79]ولم ينفرد داود وسليمان (عليه السلام) بهذا المنصب والمقام ـ القضاء والحكومة ـ بل أنّ هناك بعض الآيات التي يستفاد منها أنّبعض أبناء إبراهيم (عليه السلام) قد امتلكوا ذلك المقام السامي والشامخ يقول سبحانه:{...فَقَدْآتَيْنا آلَ إِبْراهيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً}.[النساء: 54.]ومنالمسلّم به أنّه لا يمكن أن نتصوّر وجود سلطان واسع وملك عظيم خالياً من النزاعاتوالخصومات ومن ثمّ خالياً عن القضاء والحكم.يقولاللّه سبحانه في حقّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو أحد أبناءإبراهيم (عليه السلام) : {...وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ } .[المائدة: 42.]وفيآية أُخرى يقول سبحانه: {...فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَل اللّهُ...} .[المائدة: 48]وكذلك يقول سبحانه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَل اللّهُ ...} .[ لمائدة: 49]من مجموع هذه الآيات والآيات التي تحدّثت عن قضاء الأنبياء وحكمهم يمكن الوصول إلى النتيجة التالية وهي: انّ أحد الأهداف الأساسية التي من أجلها بعث الأنبياء (عليهم السلام) هو فصل الخصومات وحل المرافعات، وبمعنى آخر رفع الاختلافات في الموضوعات، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّنا تارة نرى أنّ بعض الأنبياء قد بعثوا لبيان وحل الاختلافات في الأُمور الكلّية، وأُخرى في الأُمور الجزئية، أي المرافعات والخصومات التي تتعلّق بالموضوعات، وبالنتيجة أنّ كلا النوعين وجهان لعملة واحدة، والتي كانت سبباً لبعث الأنبياء. الهدف الرابع: إقامة القسط والعدل بين الناسجاء في بعض آيات الذكر الحكيم أنّ الغرض والهدف من بعث الأنبياء وإنزال الكتب السماوية هو إقامة القسط والعدل بين الناس، يقول سبحانه: {لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الكتابَ وَالمِيزانَلِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الحَديدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ...} [الحديد: 25]ومن الواضح أنّ جملة (لِيَقُومَ النّاسُ بِالقِسْطِ ) التي جاءت في الآية المباركة كأنّها سلطت الضوء على بيان الهدف من بعثة الأنبياء وإنزال الكتب السماوية، ألا وهو بسط القسط والعدل بين الناس،ومن العجيب أنّ الآية بعد أن ذكرت نزول الكتاب والميزان أردفتهما بإنزال الحديد، وأشارت إلى القدرات العجيبة والخصائصالمهمة لذلك المعدن، ولعلّ النكتة في الربط المذكور بين إنزال الكتب والحديد هي أنّ إقامة العدل والقسط لابدّ أن تتم منخلال هذين الطريقين: طريق التعليم والتبليغ والإرشاد، وهذا الطريق ينفع أصحاب القلوب الطاهرة والفطرة السليمة; والطريق الآخر ـ القوة والضغط ـ ينفع أمام المعاندين والمشاكسين الذين لا يخضعون لمنطق العقل والدليل.وفي هذه الآية إشارة إلى أنّ إجراء العدل وقيام الناس بالقسط هدف لجميع الأنبياء.ونظيرذلك ـ في كلّيتها وعموميتها ـ الآية 47 من سورة يونس حيث جاء فيها: {وَلِكُلِّ أُمَّة رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } .ثمّ إنّه في هذه الآية المباركة وإن لم يصرّح باسم القاضي أو صفته ولكن الظاهر منها أنّ الحاكم والقاضي هنا هو اللّه سبحانه ورسوله الموكَل من قبله لإجراء القسط والعدل بين الناس. الهدف الخامس: تزكية النفوس وتعديل الغرائزإنّنا نرى وخلافاً لنظرية بعض الحكماء الذين لخّصوا شخصية الإنسان في الفكر والعقل(النفس الناطقة) أنّ نصف شخصية الإنسان يتقوّم بالغرائز والميول الفطرية، وبما أنّ مجالحركة الفلاسفة وزاوية نظرهم قد سُلِّطَت على الجانب الفكري والإدراكات العقلية للإنسان. بذلك عرّفوه بالموجود المفكّر، وأمّا علماءالأخلاق والذين لهم اهتمامات خاصة في تزكية الإنسان وتكامله فإنّ نقطة الوصل والارتباط بينهم وبين الإنسان هو الجانب الغرائزي والميول، ولذلك نظروا إليه وكأنّه مجموعة من الغرائز والشهوات.وعلىهذا الأساس يمكن لنا أن نعرّف شخصية الإنسان تعريفاً جامعاً ونبيّنها بقولنا: إنّ شخصية الإنسان تتألف من قسمين أساسيين: العقل والإدراك، والآخر: الغرائز والميولوالرغبات.إنّهناك العديد من الآيات التي تشير إلى أنّ الهدف من بعثة الأنبياء هو تزكية وتطهير النفوس وأخلاق الناس، يقول سبحانه: {وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ}ولقد وردت هذه الجملة في آيات متعدّدة من الذكر الحكيم .[5]وبالطبع إنّه قد أُشير إلى هذا الهدف الكبير تارة بلفظ «التزكية» وأُخرى بلفظ «التقوى» و«التوبة». وعلى هذا الأساس فإنّ الآيات التي جاء بها الأنبياء والتي حثّت على التقوى والتوبة ورغّبت فيهما كلّها تنسلكفي طريق تحقيق ذلك الهدف السامي والعظيم من أهداف بعثةالأنبياء (عليهم السلام) وأنّها جميعاً تسعى لتأمين الهدف الأخلاقي في بعثة الأنبياء.[6]وقد أُشير في بعض الآيات إلى الضمانة التنفيذية لمثل هذه القيادة حيث قال سبحانه وتعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرينَ وَ مُنْذِرينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكيماً} [النساء: 165]فإنّ جملة (مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرينَ ) تشير إلى الثواب والعقاب الذي أعدّه اللّه سبحانه للمطيعين وللعاصين. ولقد أشار أمير المؤمنين إلى هذه الضمانة التنفيذية بقوله:«بَعَثَ رُسُلَهُ بِما خَصَّهُمْ بهِ مِنْ وَحْيِهِ، وَجَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلى خَلْقِهِ، لئَلاّ تَجِبَ الحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ الإِعْذارِ إِلَيْهِمْ، فَدَعاهُمْ بِلِسانِ الصِّدْقِ إِلى سَبِيلِ الحَقِّ... فَيَكُونُ الثَّوابُ جَزاءً وَالعِقابُ بَواءً». [7]كما أنّه (عليه السلام) أشار في خطبة أُخرى إلى أنّ أُصول تعاليم الأنبياء أُمور فطرية قد أودعها اللّه في خلقه، وأنّ مسؤولية الأنبياء تكمن في تنمية وبناء هذه الميول الفطرية، وكأنّهم (عليهم السلام) مذكرون لا مبدعون وأنّ ما جاءوا به من تعاليم وإرشادات كان الإنسان قد تعلّمها من خلال مدرسة الفطرة، ولكن هذه الجواهر الفطرية القيّمة تحتاج إلى مهندسين من الطراز الأوّل لاستخراجها وتفعيلها حيث يقول (عليه السلام) : «واصْطَفى سُبْحانَهُ مِنْ وُلْدِهِ أَنْبِياءَ أَخَذَ عَلى الوَحْي مِيثاقَهُمْ، وعَلى تَبْليغِ الرِّسالَةِ أَمانَتَهُ... فَبَعثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ، وَواتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ،لِيَسْتَأدُوهُمْ مِيثاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ،وَيَحْتَجّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْليغِ، وَيُثيرُوا لَهُمْ دَفائِنَ العُقُولِ».[8]إلى هنا تمّ بيان هذا الهدف من بعثة الأنبياء والذي يظهر أنّه يتألف من مقدّمتين:الأُولى:أنّ وجود الإنسان يشتمل على مجموعة من الغرائز والميول الفطرية.الثانية:أنّ الاستفادة الصحيحة من تلك الغرائز والميول بعيداً عن الإفراط والتفريط بحاجة إلى قيادة حكيمة .إذاً تكامل الإنسان ورقيّه يحتاج إلى قيادة تستطيع ترشيد تلك الغرائز والميول الفطرية. الهدف السادس: تعليم الناس الكتاب والحكمةلقد أشارت آيات من الذكر الحكيم إلى أنّ أحد أهداف بعثة الأنبياء هو تعليم الناس الكتاب الإلهي والحكمة، ولا شكّ أنّ المقصود من الكتاب هو الكتاب المنزل على كلّنبيّ في عصره، كصحف نوح وإبراهيم عليمها السَّلام وتوراة موسى وإنجيل المسيح عليمها السَّلام وقرآن نبي الإسلام محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) .كماأنّ المقصود من الحكمة هو تلك الدساتير والقوانين الحكيمة التي تضمن للإنسان سعادة الدنيا والآخرة، لا خصوص الحكمة المرادفة للفلسفة النظرية في مصطلح أهل المعقول.قال تعالى حاكياً عن إبراهيم دعاءه بقوله:{رَبَّنا وَابْعَث فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُم الكِتابَ وَالحِكْمَة...} [البقرة: 129] الهدف السابع : إقامة الحجّة على العباديستفاد من بعض آيات الذكر الحكيم أنّ الهدف من بعثة الأنبياء هو إتمام الحجّة وإقامتها على العباد، قال سبحانه:{رُسُلاً مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَ كانَ اللّهُ عَزيزاً حَكيماً} . [النساء: 165]ويقول سبحانه: {يا أَهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٌ وَلا نَذير فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ واللّهُ على كُلّ شَيء قَدِيرٌ} [المائدة: 19]ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[1]. الكافي:1/13، كتاب العقل والجهل، الحديث 11. [2]. نهج البلاغة، الخطبة 1. [3]. نهج البلاغة: الخطبة 143. [4]. بحار الأنوار:11/38، نقلاً عن علل الشرائع، ص 51. [5]- .[انظر: آل عمران:164، الجمعة: 2.][6]. انظر الآيات:108، 110، 126، 177، 179، 184، من سورة الشعراء; و 74، 86 من سورةالأعراف; و الآية 61 من سورة هود; و26 من النمل; و36 من سورة العنكبوت. [7]. نهج البلاغة، الخطبة 144. [8]. نهج البلاغة: الخطبة 1.
اترك تعليق