(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ اُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرءُُوفٌ رَحِيمٌ) .
لقد جمعت رسالة الإسلام شتات الأمة، فصنعت منها الحضارة الأقوى في العالم، فقد كان العرب قبل الإسلام يعيشون في مناطق متناثرة من أرض الجزيرة العربية وأطرافها، فحوّلهم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في مدة قياسية جداً إلى أمة شاهدة على الناس بالقسط والعدل.
فالقرآن الكريم يفجر في الإنسان طاقاته، ويلملم شتات البشرية تحت راية واحدة، لا سيما وأنه كتاب حيٌّ ينبض بالفاعلية والروح إلى يوم القيامة.
فالله سبحانه وتعالى وعد الإنسان بالثواب وتوعّده بالعقاب؛ بمعنى أن الخالق المتعالي لم يخلق الإنسان ليفنى، وأنه لم يجعل حدوده في الدنيا، إذ هذه الأخيرة ليست إلاّ وسيلة من وسائل بني البشر، ليرقوا بها إلى ما هو أعلى وأرقى.
وحينما يفتح القرآن مثل هذا الأفق الواسع أمام الإنسان، فإنه يبعث فيه الروح والعزم والإرادة، ثم إنه يدعوه إلى الجهاد، هذه الفريضة المقدسة التي لا تعني القتال فقط، بل تعني بذل المزيد من الجهد في كافة مناحي الحياة؛ فهي تعني الإنفاق والإحسان والعطاء والتغلب على هوى النفس ووساوس الشيطان لغرض التحرر من الهوى الشرير وقيود الباطل.
إن المؤمنين -وعبر هذه البصيرة الإلهية- سيعلمون أن أمامهم آفاقاً واسعة وأن عليهم أن يبلغوها، ويعلمون أيضاً أن أجلهم محدود في هذه الدنيا، وبالتالي فإنهم سيضغطون على أنفسهم ما استطاعوا حتى يفجروا طاقاتهم المودعة فيهم من قبل الله فيصلوا إلى معدن الحكمة والتطور ورضا خالقهم عنهم.
إن الصفة الأساسية لأتباع القرآن تكمن في أنهم لا يسمحون لأن تكون أعمارهم ضحية أو هباءً، فتراهم لا يستسلمون للهواجس والوساوس واللهو واللعب وتفاهات الأُمور، وهم في تطلع دائم إلى الأسمى والارقى والأحسن من الوجود سواء على صعيد الدنيا أو الآخرة.
إن من الفلاسفة من دعا إلى أن يصنع الإنسان الطبيعة، ولكن كتاب الله دعا إلى أن يصوغ الإنسان نفسه صياغة جديدة،، وإلى أن يصنع الطبيعة من حوله وبهذه الدعوة فقد سبق القرآن جميع المذاهب الفلسفية والفكرية والاجتماعية.
أما سبيل العودة إلى التاريخ التليد، فليس ثم خيار سوى العودة إلى سبب التقدم والعظمة، وهو القرآن الكريم وما يحويه من بصائر نورانية، فنتفتّح عليها ونستفيد منها ونصوغ أنفسنا كأفراد وشعوب ضمن ما رسمته لنا لكي نكون خير أُمة أُخرجت للناس، ولكي نكون شاهدين عليهم ، أي لنكون المقياس الذي تقاس به الأمم من حولنا كما كان الرسول شهيداً علينا وقدوة ومقياساً لنا .
اترك تعليق