إنّ التفسير الرائج في الأجيال الماضية هو تفسير القرآن حسب السور والآيات الواردة في كلّ سورة، فمنهم من سنحت له الفرصة أن يفسر آيات القرآن برمتها، ومنهم من لم يسعفه الحظ إلاّبتفسير بعض السور، وهذا النوع من التفسير الذي يطلق عليه اسم التفسير الترتيبي، ينتفع به أكثر شرائح المجتمع الإسلامي، وكلّ حسب استعداده وقابلياته.
بيد انّ هناك لوناً آخر من التفسير يطلق عليه اسم التفسير الموضوعي الذي ظهر في العقود الأخيرة، واستقطب قسطاً كبيراً من اهتمام العلماء نظراً لأهميته، وهو تفسير القرآن الكريم حسب الموضوعات الواردة فيه بمعنى جمع الآيات الواردة في سور مختلفة حول موضوع واحد، ثمّ تفسيرها جميعاً والخروج بنتيجة واحدة، وقد أُطلق على هذا اللون من التفسير بالتفسير الموضوعي.
وأوّل من طرق هذا الباب لفيف من علماء الشيعة عند تفسيرهم آيات الأحكام الشرعية المتعلّقة بعمل المكلف في حياته الفردية والاجتماعية فانّ النمط السائد على تآليفهم في هذا الصعيد هو جمع الآيات المتفرقة الراجعة إلى موضوع واحد في مبحث واحد، فيفسرون ما يرجع إلى الطهارة في القرآن في باب واحد، كما يفسرون ما يرجع إلى الصلاة في مكان خاص، وهكذا سائر الآيات، و هذا ككتاب «منهاج الهداية في شرح آيات الأحكام» للشيخ جمال الدين ابن المتوج البحراني (المتوفّى عام 820هـ)، و«آيات الأحكام» للشيخ السيوري الأسدي الحلي المعروف بالفاضل المقداد(المتوفّى عام 826)، إلى غير ذلك مما أُلف في هذا الصدد، وهذا على خلاف ما كتبه أهل السنة في تفسير آيات الأحكام كالجصاص وغيره ،فانّهم فسروا آيات الأحكام حسب السور، وقد اعترف بذلك الشيخ الذهبي في كتابه «التفسير والمفسرون» يقول الذهبي عند ما يتطرق إلى تفسير «كنز العرفان في فقه القرآن»: يتعرض هذا التفسير لآيات الأحكام فقط، وهو لا يتماشى مع القرآن سورة سورة على حسب ترتيب المصحف ذاكراً ما في كلّ سورة من آيات الأحكام كما فعل الجصاص وابن العربي مثلاً، بل طريقته في تفسيره: انّه يعقد فيه أبواباً كأبواب الفقه، ويدرج في كلّ باب منها الآيات التي تدخل تحت موضوع واحد، فمثلاً يقول: باب الطهارة، ثمّ يذكر ما ورد في الطهارة من الآيات القرآنية، شارحاً كلّ آية منها على حدة، مبيناً ما فيها من الأحكام على حسب ما يذهب إليه الإمامية الاثنا عشرية.(1)
ثمّ إنّ أوّل من توسع في التفسير الموضوعي هو شيخنا العلاّمة المجلسي، فقد اتّبع هذا المنهج في جميع أبواب موسوعته النادرة «بحار الأنوار» حيث جمع الآيات المربوطة بكلّ موضوع في أوّل الأبواب وفسرها تفسيراً سريعاً، وهذه الخطوة وإن كانت قصيرة، لكنّها جليلة في عالم التفسير، وقد قام بذلك مع عدم وجود المعاجم القرآنية الرائجة في تلك الأعصار.
وبما أنّ القرآن الكريم بحث في أُمور ومواضيع كثيرة لا يحيط بها أحد، لذا فقد آثرنا دراسة الجانب العقائدي من هذه المواضيع الكثيرة جداً، لأهميته في ترسيم معالم الإيمان وترسيخه في حياة الإنسان. وتؤلّف قضايا التوحيد والشرك حجر الأساس في العقيدة الإسلامية، بل حجر الأساس في كلّ الشرائع السماوية.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1 .التفسير والمفسرون:2/465.
اترك تعليق