للاعجاز القرآني جوانب متعدّدة ، فهو معجزة في كل زواياه غير انه وبشكل عام يمكن تقسيم الاعجاز القرآنى الى بعدين :
الف : في شكله وقالبه واسلوبه .
ب : في مفهومه ومحتواه .
وفي بعده الأول يعدّ معجزة في بلاغته وفصاحته وإيجازه ; حتى وقف البلاغيون أمامه مبهورين ، كما انه معجزة في ايقاعه ، فلا هو بالشعر ولا هو بالنثر ، انما ينهج في اسلوبه بايقاع خاص ، يتألق في حركته وجرسه فيشدّ بهما من يستمع إليه .
وفي محتواه ومفاهيمه فإن القرآن ليس كتاباً علمياً ، وليس من هدفه أن يضع قوانين ونظريات لهذا العلم أو ذاك ، وبعبارة أخرى ليس كتاباً في الكيمياء وفي الفيزياء ولا في الاحياء والفلك ، بل كتاب لتربيه الانسان لانه كتاب هداية ، ومن هنا فانه وعند ما يثير بعض المسائل التاريخية أو العلمية فان هدفه الاساس صياغة الانسان ، متخذاً من تلك الاثارات والاشارات وسيلة لهدفه الاساس .
فالقرآن يسعى في تنمية القدرات العقلية لدى الانسان ، من أجل أن تتفتح انسانيته اكثر فاكثر ، فكانت الاثارات العلمية واحدة من الوسائل العامّة في هذه الطريق ، ولقد كانت الآيات الأولى التي نزلت على سيدنا من محمد هي الآيات التي تمجد العلم والقلم .
بيان القرآن للعلوم الحديثة :
1 ـ ان القرآن ومن خلال متابعته الهدف الاساس ـ تربية الانسان ـ فانه يثير ويطرح ـ وحسب الظروف ـ بعض المعارف البشرية في حقول متعددة منها العلوم التجريبية كمقدّمة للتحقيق هدفه الاساس .
2 ـ ان الانسان يدرك ومن خلال القنوات الطبيعية ما يحيطه من الظواهر اما تلك الظواهر التي تبرز من خلال مصدر هو خارج الطبيعية ، فان البشر يقف أمامه عاجزاً ;
3 ـ ان القرآن يشير الى بعض الظواهر في الانسان والارض والسماء والنبات ولغرض بيان العلوم الطبيعية بل لدورها في تنمية الحياة الروحية للانسان .
4 ـ ان القرآن لا يستخدم في بيان بعض الحقائق العلمية الاصطلاحات الفنّية الخاصة ; بل انه له اصطلاحاته الخاصّة الملائمة لكل زمان .
5 ـ مادامت النظريات العلمية في تغير مستمر وتكامل فان ينبغي الحذر في تطبيق الحقائق القرآنية على النظريات العلمية وبعبارة أخرى الابتعاد عن التعسف في تفسير الآية حسب ما هو مطروح علمياً .
رأي لأحد العلماء الاجانب في القرآن :
يقول الدكتور بوكاي : « ان الأمر الاساسي والهامّ هو أن القرآن يدعو الانسان الى العلم ، وهو يشتمل على آراء عديدة في كثير من الظواهر الطبيعية في تفاصيل تنسجم مع معطيات العلم الحديث ، الأمر الذي نفتقده في التوراة والانجيل .
إن آراء القرآن هذه قد فجرّت في اعماقي الدهشة وجعلتني اتساءل كيف يمكن لنص يعود تاريخه الى اكثر من ثلاثة عشر قرناً أن يسجّل كل هذه الحقائق المدهشة المتنوعة والتي تنسجم مع معطيات العلم والكشوفات الحديثة ، هذا مع التأكيد بأن القرآن ليس في جوهره كتاباً علمياً بل أن هدفه الاساس ديني بحت خاصّة فيما يتعلق بدعوة الانسان الى التفكير في قدرة الله المطلقة »(1) .
نماذج من العلوم التجريبية :
1 ـ ظهور المنظومة الشمسية :
ان اشهر فرضية لتفسير ظهور المنظومة الشمسية هي فرضية « لابلاس » ، والتي يعتقد فيها ان كواكب المنظومة هذه لم تكن سوى كتلة غازية « سديم » ، فكانت السماء والارض كلاً واحداً متصلاً ثم تشظى ، وبالرغم من وجود آراء أخرى حول ظهور المنظومة الشمسية ولكن فرضية لابلاس هذه ما تزال هي السائدة في المحافل العلمية .
والآن لنصغ الى ما يقوله القرآن الكريم :
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)(2) .
2 ـ تمدّد الكون :
ومن المسائل العلمية الدقيقة هي مسألة تمدّد الكون وأن عالم الفضاء في توضع مستمر ، وهي حقيقة ظلت مجهولة حتى القرن الأخير ; في الوقت الذي يصرّح القرآن بما يلي :
(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)(3) .
يقول العالم المعروف بارثت :
« ان تباعد المجرات عن بعضها البعض وابتعادها عنّا يجعلنا نفترض بداية كان فيها الكون كتلة مشتعلة واحدة »(4) .
ويقول آخر :
« ان العالم في حالة توسع مستمر ، فاينما ننظر نجد المجرّات تبتعد عن بعضها البعض ، وتزداد المسافات فيما بينها كل يوم ، فالمجرات الأبعد تبتعد بسرعة اكثر ، وعلى سبيل المثال وفي الوقت الذي اسجل فيه هذه العبارة فان تلك المجرات قد ابتعدت الآن عن أرضنا مسافة مئتي ألف ميل » .
يقول القرآن الكريم :
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(5) .
3_قانون الجاذبية :
لم يعرف أحد قبل العالم « نيوتن » الجاذبية العامّة ، وقد اكسبه ذلك شهرة واسعة ، ومما ورد في هذا المضمار :
« اثبت نيوتن ان سقوط الاجسام على الارض ، ودوران القمر حول الارض واقمار المشتري وحركة الكواكب في مداراتها ناشئة عن قانون واحد هو الجاذبية ، ولقد كان من اعقد المسائل العلمية أن يثبت ان القوّة الجاذبية المنبعثة من جسم كروي هي نفسها فيما لو تركز الجسم كله في مركز تلك الكرة ، وما لم يثبت ذلك فان نظرية الجاذبية ستبقى غامضة مبهمة وغير قائمة على حسابات رياضية دقيقة »(6) .
وفي هذا المضمار يقول القرآن الكريم :
(اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)(7) .
وعن الامام الرضا (عليه السلام) مخاطباً أحد أصحابه :
« سبحان الله ، أليس الله يقول : بغير عمد ترونها ؟ قلت : بلى . فقال : ثم عمد ولكن لا ترونها »(8) .
4_حركة العالم التكاملية :
يقول القرآن الكريم وفي معرض ردّه على المادّيين في آرائهم عن فناء العالم والانسان ـ مؤكداً الحركة التكاملية للعالم :
(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) .
(أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)(9).
ويخطىء من يرى العالم جامداً ساكناً ، انه في حالة حركة مستمرة ، ويتحرك الانسان مع حركة العالم وتستمرّ هذه الحركة حتى بعد الموت في تكامل روحي حتى اليوم الموعود .
5_حركة الارض :
لقد واجه غاليلو قبل ثلاثة قرون معارضة قاسية في نظريته عن حركة الارض ، غير أن القرآن الكريم يصرّح بهذه الحقيقة ـ التي ثبتت نهائياً ـ في محيط جاهل تماماً وذلك في قوله تعالى :
(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا)(10) وقوله تعالى :
(وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ)(11) .
فالقرآن الكريم يشبه الأرض بالمهد ، ذلك أن المهد وعلاوة على حركته فهو مكان في حالة استقرار وهدوء ، ويشبهها في مناسبة أخرى بالبعير الذي ينساب في حركة هادئة فوق رمال الصحراء : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا)(12) .
6_الشكل الكروي للأرض :
كان التصوّر السابق للأرض بانها مسطّحة ومستوية ولم تثبت كروية الأرض إلاّ في القرون الأخيرة ، غير أن القرآن الكريم يهتف بهذه الحقيقة منذ أربعة عشر قرناً في قوله :
(فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) .
ومن البديهي أن تعدد المشارق والمغارب لن ينشأ إلاّ في السطح الكروي اذ تسبب حركتها المحورية تعدداً للمشارق والمغارب ، وستصبح كل نقطة في سطح الارض مشرقاً لقوم ومغرباً لقوم آخرين : ولو كانت الارض سطحاً مستوياً لكان لها شرقاً واحداً ومغرباً واحداً فقط .
7_كيفية تكوّن اللبن :
تنسجم معطيات القرآن الكريم في مسألة تكون اللبن مع نتائج الدراسات العلمية الحديثة يقول عزّ من قائل :
(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ)(13) .
8_زوجية النبات :
لم تمض مدّة طويلة على اكتشاف ظاهرة التلقيح في النبات ، ولم يقف العلماء على نشاطات الخلايا إلاّ بعد اختراع المكرسكوب ، غير اننا نرى هذه الحقيقة بشكل واضح في آيات القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى :
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)(14) ، (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى )(15) .
فالقرآن الكريم وبعد ان يشير الى ظاهرة الزوجية في الحياة الانسانية والحيوانية وفي عالم النبات ايضاً فانه يوسّع من دائرة الزوجية هذه لتشمل عالم الوجود بأسره قال تعالى :
(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(16) .
فقد أدرك الانسان أخيراً ان كل الاشياء انما تنتهي في تركيبها الى ذرّات متناهية في الصغر ، وتضم هذه الذرات شحنات سالبة هي الالكترونات ، وشحنات موجبة هي البروتونات ، ومن هنا يمكن القول أن العالم كلّه ينهض على نظام الزوجية .
يقول العالم « ماكس بلانك » : « ان كل جسم مادّي يتألف من الالكترونات والبروتونات »(17) .
9_تنامي حكم الارض :
ومن معطيات العلم الأخرى ان التجارب والاختيارات قد اثبتت تنامي حجم الارض بسبب جذور النباتات ; فعند ما يتغلغل الماء ، داخل التربة فان الجذور تنمو وتمتد داخل التراب ، والجذور تؤمّن 95% من احتياجاتها من الهواء و 5% فقط من التراب ، وعلى هذا فان الارض ومن خلال نمو الجذور تتضخم بمعدل بلغت الانظار .
والآن لنصغ الى ما يقوله القرآن الكريم في هذا الصدد :
(وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)(18) .
10_التلقيح :
اشار القرآن الكريم الى دور الرياح في اللقاح وذلك في قوله تعالى :
(وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً)(19) .
وبهذا يكون القرآن الكريم قد كشف النقاب عن واحده من أسرار الطبيعة في دور الرياح في لقاح السحب .
11_النباتات :
يقول الخبراء :
لابد لنا أن نعرف انه ليس كافياً توفر بخار الماء في الهواء وحصول حالة الاشباع لكي يتكون السحاب والمطر ، إذ لابد من توفّر عامل ثالث وعملية التلقيح . ففي الامطار الاصطناعية يتوجب القيام بالتلقيح الصناعي حيث تقوم الطائرات بنفث غبار الماء أو بلورات الثلج .
هذه طائفة من المسائل العلمية التي اشار اليها القرآن الكريم وذلك قبل اربعة عشر قرناً من الزمن وفي محيط جاهل ، اضافة الى ان القرآن ليس بكتاب علمي وليس من هدفه أيضاً اثبات حقائق علمية .
هذا وما يزال العلم يحبو في أول الطريق وسيكتشف العلم المزيد من الحقائق التي لم يكشف عنها النقاب حتى الآن وهي موجودة في كتاب الله العظيم .
الخلاصة :
1 ـ ان جوانب الاعجاز القرآني متعدّدة ; سواء في الاسلوب والقالب أو في المحتوى والمفاهيم .
2 ـ بالرغم من أن هدف القرآن هو تربية الانسان وليس بيان المسائل العلمية ، والتاريخية والفلسفية . . ولكنه يضمّ الكثير من الاشارات العلمية المذهلة .
3 ـ ان القرآن يستخدم في إثاراته العلمية اسلوباً خاصّاً يواكب حركة العصور والاجيال .
4 ـ ينبغي الحذر في تطبيق المعارف القرآنية مع معطيات العلم ; وبعبارة أوضح الابتعاد عن التفسير التعسفي ـ وفي هذا الاطار ـ لآيات القرآن .
5 ـ أن القرآن يضم اشارات واضحة حول ظهور المنظومة الشمسية ، تمدّد الكون ، قانون الجاذبية ، حركة العالم التكاملية ، حركة الارض وكرويتها ، ظاهرة الزوجية ، لقاح النباتات وتضخم حجم الأرض وغير ذلك .
دراسة في اسس الاسلام/السيد مجتبى الموسوي اللاري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): التوراة ، الانجيل ، القرآن والعلم : 179 .
(2): الانبياء : 30 .
(3): الذاريات : 47 .
(4): العالم وانشتاين / 112 .
(5): آل عمران : 118 ـ 119 .
(6): علماء العلم الكبار / 49 .
(7): الرعد : 2 .
(8): تفسير البرهان : 2/287 .
(9): ق : 6 ، 15 .
(10): النبأ : 6 و7 .
(11): النحل : 15 ، لقمان : 10 .
(12): الملك : 15 .
(12): النحل : 66 .
(14): الشعراء : 7 .
(15): طه : 53 .
(16):الذاريات : 49 .
(17):صورة العلم في الفيزياء الحديثة / 95 .
(18):الحج : 5 .
(19):الحجر : 22 .
اترك تعليق