في القران الكريم اقسام كثيرة قد ذكرها الله تعالى فيه مثل:سورة الذاريات و العصر و النجم و غيرها من السور ولكن في هذا الموضوع المختصر جدا نذكر فيه القسم المذكور في سورة الطارق التی تتضمن قسمین اثنین، وهنا نستعرض الآیات مورد البحث، وهی الآیات الاُولى إلى التاسعة: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9)}. فی هذه الآیات الشریفة أقسم الله تعالى بأمرین، السماء والطارق، ومن أجل الإحاطة بعظمة السماء نلفت النظر لما یلی:
إنّ الکرة الأرضیة أصغر من الشمس بـ 1/200/000 مرّة، بمعنى أنّه لو وضعنا 1/200/000 کرة أرضیة على بعضها، فسوف یبلغ حجم المجموع بحجم الشمس، وفی مجرّتنا درب التبّانة التی تقع فیها منظومتنا الشمسیة، هناک 200 میلیارد نجمة أو منظومة شمسیة أو سیارة، وشمسنا تعتبر نجمة متوسطة منها، هذه کلُّها تتصل بمجرتنا، وفی الکون هناک ملیارد أو أکثر من المجرات، ولکلِّ واحدة منها ذلک العدد الکبیر من النجوم والشموس، کلّ هذه العلوم والمعارف توصل إلیها الإنسان بامکاناته المتوفرة، ولعلّه یکتشف معلومات أکثر مع اختراع أجهزة متطورة أکثر.
عندما نرى أنّ الله تعالى یقسم بالسماء، فإنّه یرید إلفات نظرنا إلى عجائبها ولنتأمل فی موجوداتها وعظمتها وبالتالی ندرک مکاننا من هذا العالم ونعلم وظیفتنا ومسؤولیتنا أمام خالق هذا العالم.
ما المقصود بالطارق؟
«الطارق» فی اللغة بمعنى من یطرق الشیء، ومأخوذ من مادة «طرق» ولذلک یقال لأداة الطرق «مطرقة».
وتقول العرب للشخص الذی یطرق الباب لیلاً «طارق» ومن هنا نرى أنّ الإمام علیّاً(علیه السلام) یقول فی الخطبة 224 من نهج البلاغة:
(وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِکَ طـارِقٌ طَرَقَنـا بِمَلْفُوفَة فی وِعائِهـا».
وأمّا المقصود من کلمة «طارق» فی الآیة الشریفة، فهو ما بیّنته الآیة التالیة «النجم الثاقب» وهی نجمة منیرة جدّاً بحیث إنّ نورها ینفذ فی العین وکأنّه یثقبها ویصل إلى أعماقها.
ویذکر المرحوم الطبرسی فی تفسیره، المقصود من النجم الثاقب وأیّ نجمة هی؟ نقل أربعة احتمالات ذکرها العلماء والمفسّرون:
1. المقصود من الطارق هو: (النجم الثاقب) أی کلّ نجمة لامعة ومنیرة فی السماء، وطبقاً لهذا التفسیر فإنّ الله تعالى لم یقسم بنجمة واحدة بل بجمیع النجوم المتلألئة والمنیرة فی السماء والتی تزهر بشکل خاصّ، لأنّ عظمة هذه النجوم بالنسبة للبشر محسوسة أکثر.
2. المقصود منها نجمة (زحل) لأنّ نجمة (زحل) أبعد نجوم وسیّارات المنظومة الشمسیة والتی ترى بالعین المجرّدة، وبعد ذلک اکتشف العلماء اورانوس، نبتون، بلوتون، ولکنّ هذه السیّارات الثلاث لا ترى بالعین المجرّدة، وفی الآونة الأخیرة تمّ إخراج بلوتون من المنظومة الشمسیة، لأنّه لا یملک الحجم الکافی لیکون بمقدار نجمة سیّارة، بل هو عبارة عن حجر کبیر یطوف فی فضاء المنظومة الشمسیة. والسبب الآخر لتفسیر الطارق بنجمة زحل، أنّ هذه النجمة لها خصوصیة معیّنة لم یکشف العلماء الستار عنها لحدّ الآن، وذلک فی الحلقات المستدیرة حول زحل وتدور حول زحل بمسافة معیّنة عنه وهی مسطحة وعریضة، فهل هذه الحلقات هی قطع ثلجیة، أم قطع متناثرة من سیّارة اُخرى کانت تدور حول الشمس وبعد ذلک اندثرت وتلاشت، أم شیء آخر؟
مهما یکن من أمر فإنّ هاتین الخصوصیتین أدّت إلى أن تزهر نجمة زحل بشکل خاصّ، ولهذا أقسم الله تعالى بها.
3. أن یکون المقصود من الطارق، نجمة الثریا، وهذه النجمة تقع خارج المنظومة الشمسیة، وتعدّ من النجوم الثوابت التی تقع فی مجرة درب التبّانة، والمسافة التی تفصلنا عنها بعیدة جدّاً بحیث أصبحت یضرب بها المثل، ولذلک کان الناس یتصورون أنّها تقع فی آخر العالم والکون، ومن هنا قالوا لبیان بعد المسافة: «من الثرى إلى الثریا».
وبالإمکان رؤیة هذه النجمة بالعین المجرّدة لمن کان حاد البصر.
4. المقصود من (النجم الثاقب) القمر، وهو فی الحقیقة أحد النجوم المنیرة التی تقع على مقربة منّا، وهذه النجمة صغیرة جدّاً، ولکن بما أنّ المسافة بیننا وبین القمر مسافة قلیلة، فنراه بهذا الحجم الکبیر.
ومن بین هذه التفاسیر الأربعة فإنّ التفسیر الأوّل ینسجم أکثر مع سیاق الآیات الشریفة، ویتضمن أیضاً الاحتمالات الثلاثة الاُخرى، مضافاً إلى أنّه یشمل کلّ نجمة مضیئة.
الغاية من القسم بالسماء والنجوم الامعة:
انّ هذین القسمین فی هذه السورة، یدفعان الإنسان باتجاه التفکیر والتدبّر فی عظمة السماء وما فیها من نجوم وکواکب ومنظومات شمسیة، وخاصة بعد أن یملک الإنسان معرفة إجمالیة بالکشوفات العلمیة والفلکیة عن مجاهیل السماء والنجوم الزاهرة فیها، ومثل هذا التفکیر له قیمة فی معارفنا الدینیة والمفاهیم الإسلامیة، إلى درجة أنّ التفکر یعتبر من أرقى أنواع العبادة، وأنّ ساعة من التفکر فی أمر الخلق وعظمة الکائنات ودقّة الصنع أفضل من سنوات من العبادة بدون فکر وتدبّر، کما ورد فی النصوص الشریفة.
وأحد العبادات المهمّة، صلاة اللیل، والتی یأتی بها الإنسان المؤمن بعد منتصف اللیل وخاصة عند السحر من لیالی شهر رمضان المبارک، وبالإمکان الاستفادة من هذه الفرصة للإتیان بهذه العبادة المهمّة وهذه الصلاة فیما تورثه من نورانیة عجیبة وروحانیة خاصّة، وفیما تدفع الإنسان فی مسیر الإیمان والخلوص والقرب إلى الله تعالى، وقد ورد فی آداب صلاة اللیل أنّ المؤمن عندما ینهض من فراشه ویرید أن یتوضأ فإنه یستحبّ أن یتوجه إلى فضاء مفتوح ویقف تحت السماء وینظر إلیها ویقرأ هذه الآیات: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}.
وهذه الآیات توحی باهتمام الإسلام بعنصر التفکر والتأمل فی أسرار وعجائب الخلقة والطبیعة، والأقسام المذکورة بدورها تهدف لتفعیل القوى الفکریة فی الإنسان وإذکاء عقله فی التدبّر فی هذا العالم وما فیه من عجائب وأسرار بدیعة.
اترك تعليق