بعد أن أصبحت مكة مصدر خطر على الاسلام والمسلمين من خلال محاربة دعوة النبي صلى الله عليه وآله ومنع انتشارها ومحاولة إطفاء نورها ، فكانوا يلاحقون تحركات النبي صلى الله عليه وآله و يعذبون كل من يعتنق دين الإسلام خصوصاً بعد وفاة أبي طالب عليه السلام الذي كان يعد من أبرز المدافعين عن الاسلام ونبيه ، وبما أن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن مرسلاً لأهل مكة خاصة بل (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ) فكان لزاماً على النبي صلى الله عليه وآله هو إختيار أرض صالحة تؤمن له الحرية في العمل على الدعوة قولاً وفعلاً بهدوء وإطمأنان بعيداً عن أجواء التوتر والمحاربة والضغط ، فإنه لو بقي في مكة سيكون منشغلاً بتلك الأجواء التي بلغت حدَ أنهم أرادوا قتله وضياع دمه بين القبال من خلال إختيار اشخاص عدة كل واحد من قبيلة ، فكانت حينها مبدأ حركة الهجرة ومبيت الإمام علي عليه السلام في فراش النبي صلى الله عليه وآله كما تشير الآية الكريمة الى ذلك : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ) كما جاءت الآية التالية في حق مبيت الإمام علي عليه السلام : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) واستغرقت حركة هجرة النبي صلى الله عليه وآله احد عشر يوما من ليلة المبيت وفي اليوم الثاني عشر كان دخول النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة ، فكان اختيار هذه المدينة هو من قبل الله عز وجل حيث يشير إلى ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله عندما طلب من المسلمين أن يهاجروا قبله : (إن الله عز وجل قد جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها) وأيضاً نذكر بعض الاسباب (1) التي جعلت المدينة بالذات داراً لهجرة النبي صلى الله عليه وآله ، ومنطلقاً لدعوته ، دون غيرها :
1 - إن مكة كانت تتمتع بمكانة خاصة في نفوس الناس ، وبدون السيطرة عليها ، والقضاء على نفوذها الوثني ، واستبداله بالنفوذ الإسلامي ؛ فإن الدعوة تعتبر فاشلة ، فلا بد من اختيار مكان قريب منها ، يمكن أن يمارس منه عليها رقابة ، ونوعاً من الضغط السياسي والاقتصادي.
2 - فإن المدينة كانت أغنى من مكة زراعياً ، أي أنها لو فرض عليها أن تتعرض لضغط تجاري من نوع ما فإنها تستطيع أن تقاوم هذا الضغط كما أن الدعوة تحتاج إلى استقرار اقتصادي داخلي ، يستطيع أن يوفر الفرصة لحملة هذه الرسالة للحركة في سبيل نشر دينهم ، وبث رسالتهم .
3 - إن أهل المدينة كانوا في الأصل من مهاجري اليمن ، التي كانت تمتلك شيئاً من الحضارة البدائية في قديم الزمان ، فهم ليسوا أعراباً ؛ لتكون قلوبهم ممعنة في القسوة ، ولا كان ثمة زعامات ومصالح خطيرة لهم في المنطقة ، كما كان الحال بالنسبة لقريش.
ومن ثم مرَّ النبي صلى الله عليه وآله بعدة مراحل تنقّل بين مكة والمدينة قبل وصوله إلى المدينة ، حيث انطلق من غار ثور إلى الطائف ومنه إلى يثرب ومنها إلى قباء ومنها إلى المدينة ، حيث استغرقت -كما ذكرنا سابقا- إحدى عشر يوماً ، وحين وصوله صلى الله عليه وآله إلى المدينة كان المسلمون متعطشين إلى ذلك الوصول المبارك بل حتى غير المسلمين ، وحينها تنازع المسلمون على مكان اقامة النبي صلى الله عليه وآله إلا إن الله هو من اختار له داره الذي أسس المسجد النبوي جنبه.
الكاتب : إبراهيم السنجري
_______________________
ذكرت الاسباب في كتاب الصحيح من سيرة النبي صلى الله عليه واله (بإختصار وتصرف).
اترك تعليق