تمر علينا هذه الايام ذكرى تنصيب الامام علي ابن ابي طالب خلفا للنبي الاكرم ببيعة شرعية من قبل الامة له عليه السلام.
ففي مثل هذا اليوم وهو الثامن عشر من شهر ذي الحجة هبط الامين جبرائيل على النبي الاكرم مبلغا اياه الاية الكريمة التي تنبأه ان كل ما فعله طيلة سني حياته الشريفة سيذهب هباءا ان لم يتولى عليا الامر من بعده (يَا أَيُّهَا الرّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَم تَفْعَل فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاس).
فقطع النبي رجوعه من مكة الى المدينة عاصمته جامعا الناس في واد بين مكة والمدينة يسمى خم مصليا بهم مخاطبا عشرات الالاف من الصحابة بقوله أيّها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبيّ إلّا مثل نصف عمر الذي قبله، وإنّي أُوشك أن أُدعى فأُجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟
فردوا: نشهد أنّك بلّغت ونصحت وجاهدت، فجزاك الله خيراً.
فقال : ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ وناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور.
قالوا: بلى، نشهد بذلك.
فقال: فانظروا كيف تخلِّفوني في الثقلين.
فسألوه : ما الثقلان يا رسول الله؟
فقال(صلى الله عليه وآله): الثقل الأكبر كتابُ الله طَرفٌ بِيَدِ اللهِ عزّ وجلّ وَطرفٌ بِأَيديكُم، فَتَمَسّكُوا به لا تَضلُّوا، والآخر الأصغر عِترَتي، وإنّ اللّطيفَ الخَبيرَ نَبّأَنِي أنّهُمَا لن يَفتِرقا حتّى يَرِدَا عَلَيّ الحَوض، فَسَألتُ ذلك لَهما رَبِّي، فلا تُقَدِّمُوهُمَا فَتهلَكُوا، ولا تُقَصِّرُوا عَنهُمَا فَتَهلَكُوا. متفق عليه في كافة مصادر المسلمين ومتواتر جدا بالفاظ شتى تحمل ذات المظمون.
ثم رفع النبي(صلى الله عليه وآله) يد الامام علي قائلا باعلى صوته: يَا أَيُّها النّاس، مَنْ أولَى النّاس بِالمؤمنين مِن أَنفُسِهم؟
فأجابوه جميعاً: اللهُ ورسوله.
فقال (صلى الله عليه وآله) وهو ممسكا بيد عليا رافعا اياها امامهم جميعا: إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاهُ. متفق عليه ومتواتر بهذا اللفظ الواضح.
قال ذلك ثلاث مرّات أو أربع، كي يتاكد انهم جميعا سمعوا ذلك.
ثمّ قال(صلى الله عليه وآله) اللّهمّ وَالِ مَن وَالاَهُ، وَعَادِ مَن عَادَاهُ، وَأَحِبّ مَن أَحبّهُ، وَأبغضْ مَن أبغَضَهُ، وانصُرْ مَن نَصَرَه، واخْذُل مَن خَذَلَهُ، وَأَدِرِ الحَقّ مَعَهُ حَيثُ دَار، أَلا فَلْيُبَلِّغِ الشاهِدُ الغَائِبَ.
وبهذه الطريقة وباجماع الصحابة تمت انتقال السلطة من النبي الاكرم الى الامام علي الذي كان اقربهم اليه نسبيا وحسبا ومنزلة .
ان سبب اختيار النبي للامام علي لم يكن بداعي كونه صهره وابن عمه فقط, ومن يظن ذلك فهو بعيد عن المنهج النبوي الالهي في تدبير الامة .
لم يكن النبي يوما طالبا للملك كي ينقل ملكه لعصبته , النبي كان صاحب مشروع ينهض بالانسانية من الحضيض الى اوج الرقي والتقدم والاخلاق,
في وقت قياسي حقق النبي دولة متقدمة من اناس همجيين يتقاتلون لاجل بعير لسنوات. كما وصفتهم الزهراء عليها السلام في خطبتها قائلة(وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ، مُذْقَةَ الشّارِبِ، وَنُهْزَةَ الطّامِعِ، وَقُبْسَةَ الْعَجْلانِ، وَمَوْطِئَ الأقْدامِ، تَشْرَبُونَ الطّرْقَ، وَتَقْتاتُونَ الْوَرَقَ، أذِلَّةً خاسِئِينَ، {تَخافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ}).
وبعد كل ما انجزه النبي الاكرم علم ان ايامه دنت وانه راحل عنهم ولم يحب النبي تركهم دون مرشد يديرهم ويتصدى للسلطة من بعده فجمعهم وخيرهم ان كانوا يرضون باختياره فالنبي الاكرم لم يرغمهم على قبول وصيه بل بايعوه فرحين مستبشرين باجمعهم.
اختار لهذا المنصب عليا الذي رباه من صغره وعلمه من علمه وسقاه من ادبه واعطاه من عصمته ومكانته , لازمه حتى اخر لحظات حياته ولم يرى منه النبي الاكرم قط الا الطاعة والحرص على الدين كان سيف النبي الذي يضرب به وعينه التي يبصر بها وروحه التي تسير جنبه .
لم يجد النبي الاكرم من يوازي عليا في العالمين ولو قليلا ليكون اهلا للخلافة من بعده فاعطاه اياه بامره تعالى وباجماع الامة.
الانقلاب على شرعية خلافة الامام علي :
وبحكم عصمة النبي الاكرم واطلاعه على الغيب علم ان الدماء الجاهلية تجري في نفوس الكثير من صحابته وانهم لن يوفوا بوعودهم وبيعتهم لخليفته فاخبر عليا قائلا بدموع عينيه بعد ان استعلم الامام علي عن سر بكاءه(صلى الله عليه وآله) ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتّى يفقدوني.
فقال: يا رسول الله! أفلا أضع سيفي على عاتقي فأبيد خضراءهم؟
قال: بل تصبر.
قال: فإن صبرت.
قال: تلاقي جهداً.
قال: أفي سلامة من ديني؟
قال: نعم.
قال: فإذن لا أُبالي.
وفعلا ما ان انتقل النبي الاكرم الى الرفيق الاعلى تركوه مسجى يتولى عليا عليه السلام دفنه حتى بايعوا الانقلابيين بزعامة عمر ابن الخطاب وابي بكر متناسين وعدهم لنبيهم صلوات الله عليه .
وحذرهم الامام علي من فعلتهم وان ابي بكر لن يمكنه ان يكون حاكما عادلا لهم وانه يفتقر الى المؤهلات التي لديه ولكنهم ابوا الا السير في طريق مظلم اختاروه لانفسهم فضلوا الامة واحرفوها عن مسيرها فتهاوت يوما بعد يوم الى يومنا هذا.
ان كل ما يحدث الان من مأسي على الامة الاسلامة كانت بسبب تلك الحقبة المظلمة التي انقلبوا فيها المسلمين على امر الله تعالى بالولاية لامير المؤمنين عليه السلام.
الكاتبة: نور المياحي
اترك تعليق