ذكر المؤرخون أنه لما أقبل شهر رمضان المبارك خطب النبي الأعظم محمد صلى الله عليه واله في الناس قائلا : ((أيها الناس إنه قد اقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات وهو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ... الى آخر الخطبة الشريفة))(1).
وهنا حينما يتأمل الباحث والمفكر يجد أن النبي صلى الله عليه وآله خطب بتلك الخطبة لأسباب متعددة ومنها :
1- بيان فضل وعظمة هذا الشهر العظيم للناس أجمع.
2- لكون هذه الخطبة ستكون رسالة نبوية خالدة للأجيال القادمة الى يوم القيامة.
3-جهل الكثير من المسلمين بفضل و فيوضات هذا الشهر الفضيل استدعى من النبي صلى الله عليه واله ان يزيله ويستبدله بالمعرفة بشأن وحرمة هذا الشهر .
4- ان هذه الخطبة المباركة لطالما كانت ولازالت تذكرة خالدة حتى بالنسبة للمؤمنين تذكرهم بحقوق هذا الشهر المبارك.
5- ان النبي صلى الله عليه واله شوّق المؤمنين الى كرامات وفيوضات هذا الشهر الكريم لما فيه من الشأن والفضل والخير والبركات من الله عز وجل.
وبهذه الاسباب التي تقدم ذكرها آنفا نجد اهمية تلك الخطبة جلية في الفضل ، وجديرة بالذكر ، وحقيقة في البيان ، وانها مقتبسة من نص القرآن ، ذلك لأنه صلى الله عليه وآله ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى.
ويجد المتأمل في تلك الخطبة الشريفة ان النبي صلى الله عليه واله يؤكد ان شهر رمضان دائما وأبدا يقبل على الناس بثلاثة أشياء هم بأمس الحاجة اليها ، وهي :
أولا- البركة :- فإن شهر رمضان بركة وزيادة في إيمان الإنسان وزيادة في صحة جسمه ، وهو نماء في العقل وزيادة في العلم و الرزق ، وتجد ان البركة تتضح حتى في الطعام في هذا الشهر الكريم، فتجد ان الصائم يشبع بالقليل رغم جوعه الكثير ! بخلاف ما هو عليه في بقية شهور السنة ، وذلك لما حل من البركة في ذلك الطعام .
ثانيا- الرحمة :- فالكثير من الناس بحاجة الى رحمة الله حيث تقضى بها حوائجهم وتشفى بها أمراضهم ، ويدفع بها البلاء عنهم وتزول عنهم بعض المحن ، كما وأن هذه الرحمة تولد رحمة لدى المؤمنين الصائمين على بعضهم البعض ، وحيث يكون أحدهم رحيما على ابيه وامه أو على زوجته وأطفاله ، وبذلك تسود الرحمة في داخل قلب المؤمن الصائم وتتسع لتصل جميع افراد الاسرة ثم تتسع فتشمل المجتمع الإنساني كافة.
ثالثا- المغفرة :- فقد أفادت الروايات التي تزاحمت بها الكتب والمؤلفات ان الله تعالى يغفر الكثير من ذنوب الصائم في هذا الشهر الكريم اذا ما التزم بضوابط التوبة الحقيقية الصادقة ، وأخلص النية وعزم على ترك الذنوب عزما صادقا لاعوج له ، وكذا الحال فإن هذه المغفرة من الله تعالى تصل لدرجة العتق من النار! ، وحيث تحدثت بعض الأخبار المروية أن الله تعالى يعتق الكثير من الصائمين عند الإفطار من نار جهنم ، مع التأكيد على ان هذه المغفرة يجب ان تترجم الى لغة تسامح بين الصائم والصائم الآخر ، فحقيق على الصائمين انفسهم ان يعفوا بعضهم عن بعض ، لتسود بينهم لغة التسامح والتواصل وفتح الصفحات الجديدة إكراما لهذا الشهر العظيم ، وحيث قال تعالى : ((وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ))(2)
كما نجد ان النبي الاعظم صلى الله عليه وآله كان قد أجرى مقارنة بين هذا الشهر وبقية الشهور ليبين أي الشهور هو الشهر الأفضل؟؟
فذكر ان :
1- إن شهر رمضان عند الله أفضل الشهور.
2- إن أيام شهر رمضان أفضل الأيام ، أي افضل من جميع أيام السنة والتي يبلغ مجموعها 360 يوما.
3- إن ليالي شهر رمضان أفضل من جميع ليالي شهور السنة .
4- إن ساعات شهر رمضان سواء أكانت من ليل أو نهار هي أفضل من سائر ساعات الحياة.
وبعد كل ذلك نجد ان النبي الاعظم صلى الله عليه وآله بدأ يعدد بخصائص عظيمة اختصت بهذا الشهر العظيم ومنها :
1_ إن شهر رمضان دُعي فيه الناس الى ضيافة الله رب الأولين والآخرين ، (وأي لبيب لا يريد هذه الضيافة؟!)
2_ إن الصائمين جعلوا في شهر رمضان من اهل كرامة الله.
3_ إن أنفاس الصائمين في هذا الشهر العظيم تسبيح ، وإن نومهم فيه عبادة ، وأن أعمالهم الصالحة فيه تكون مقبولة عند الله تعالى ، وادعيتهم فيه مستجابة .
فلله درك يا شهر رمضان ما أكرمك ، وما أعظم بركاتك ، وما أعظم الفوز بك لمن أدى حقك وعشق صيامك ، فكنت ولازلت زينة الشهور ، وحيث فيك نزل القرآن والنور ، وبك نال الصائمون خصال الكمال.
الكاتب: مهند سلمان آل حسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشيخ الصدوق في كتابه عيون أخبار الرضا عليه السلام بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السلام
(2) سورة النور/ آية 22
اترك تعليق