شهر رمضان المبارك في المنظور النبوي

 الكثير من التساؤلات تطرح في قضية افضلية شهر رمضان المبارك على بقية الاشهر والاجوبة عليها كثيرة وتفرعت الى فروع تكاد لا تحصى، ولو اتخذنا جانبا من تلك الاجوبة كموضوع لنا لتبيان اهمية هذا الشهر العضيم فلا نجد افضل من تبيان القرآن الكريم والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، فالقرآن الكريم اعطى لهذا الشهر العظيم بعض الميزات التي اعطت الافضلية لهذا الشهر المبارك ومنها على نحو الاجمال:

أولاً: نزول القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ} البقرة (185)

ثانيا: ان الله جعل ليلة القدر في هذا الشهر العظيم التي هي خير من الف شهر، وذلك بملازمة نزول القرآن فيها تحديداً{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} القدر(1-3).

ثالثا: اختار الله تعالى هذا الشهر العظيم ليوجب به الصيام ولم يختر غيره، وما للصيام من العبادة العظيمة التي اختص بها الشهر العظيم و ملازمة التقوى بالصيام ؛ اي كونه سبباً عظيما في تحصيل التقوى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}البقرة(183).

هذا على نحو المثال والاجمال في القرآن الكريم، اما لو اتخذنا جانباً من جوانب تبيان الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله لهذا الشهر الكريم لوجدنا ان ابواب الرحمة في بقية اشهر السنة تكاد ان تنعدم في قبال شهر رمضان المبارك ففي الروايات الشريفة :

(روى الصّدوق بسند مُعتبر عن الرّضا (عليه السلام)، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه وعلى أولاده السّلام قال : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطبنا ذات يوم فقال : أيّها النّاس أنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرّحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشّهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل اللّيالي، وساعاته أفضل السّاعات، هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة، وقلُوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فإنّ الشّقي من حرم غفران الله في هذا الشّهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقرّوا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضّوا عمّا لا يحلّ النّظر إليه أبصاركم، وعمّا لا يحلّ الاستماع إليه اسماعكم و تحننوا على أيتام الناس يتحنّن على أيتامكم وتوبوا إليه من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم فانّها أفضل السّاعات ينظر الله عزوجل فيها بالرّحمة الى عباده يجيبهم إذا ناجوه، ويلبّيهم إذا نادوه، ويستجيب لهم اذا دعوه .)

وبعد اظهار ميزات هذا الشهر العظيم يعرج رسول الله صلى الله عليه وآله في كلامه الى الحث على طاعة الله تعالى وعبادته لما لها عند الله تعالى من القبول، فيقول صلى الله عليه وآله :

(أيّها الناس إنّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكّوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم فخفّفوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أنّ الله تعالى ذكره أقسمَ بعزّته أن لا يعذّب المصلّين والسّاجدين، وأن لا يروعهم بالنّار يوم يقوم النّاس لربّ العالمين ، أيّها النّاس من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشّهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه ، قيل : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس كّلنا يقدر على ذلك ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة اتقّوا النّار ولو بشربة من ماء، فإنّ الله تعالى يهب ذلك الأجر لمن عمل هذا اليسير إذا لم يقدر على أكثر منه .)

ويتابع صلوات الله عليه وعلى آله درسه الاخلاقي في هذا الشهر العظيم وينتهزها الفرصة المثلى للتعبئة الاخلاقية لجميع العباد ويقول مكملاً:

 (يا أيّها النّاس من حسّن منكم في هذا الشّهر خُلقه كان له جواز على الصّراط يوم تزلّ فيه الاقدام، ومن خفّف في هذا الشّهر عمّا ملكت يمنيه خفّف الله عليه حسابه، ومن كفّ فيه شرّه كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه)

وبعدها عرج صلوات الله عليه وعلى آله على تعظيم العبادة في هذا الشهر العظيم وان اجرها مضاعف على العبادة في بقية الاشهر حيث يقول فيه:

(ومن تطوّع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النّار، ومن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب مَن أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشّهور، من أكثر فيه من الصّلاة عليّ ثقل الله ميزانه يوم تخفّ الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشّهور ، أيّها النّاس إنّ أبواب الجنان في هذا الشّهر مفتحة فسلوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النّيران مغلقة فسلوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم، والشّياطين مغلولة فسلوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم ، إلخ.)

انتهى كلامه صلى الله عليه وآله في وصف بركات هذا الشهر العظيم ولم يتبقى لنا الا التأمل لهذه الكلمات العظيمة لكي نوعز لانفسنا اننا في ايام قد لا تتكرر علينا و نبلغها فمن احسن فيها طاعة الله تعالى فلنفسه ومن لم يعطِ اهمية لها فعليها، ومن يا ترى يرى ابواب الرحمة ويعرض عنها الا من كانت على قلوب أقفالها.

الكاتب: قيس العامري

المرفقات