في ربيع الأول ولد ربيع الوجود

في ظل أيام كانت مغبرة بتراب الجهل وحرارة التعصب وإصفرار العقل وتساقط أوراق العفاف وتجمد الأفكار وموت الضمائر لاحت علامات في الأفق أنه سيولد فصل جديد في الوجود فأصبح الناس يرتقبون ذلك الفصل الجديد وهل سيغير ما أحدثته فصول الظلام فكان الضعفاء يرتقبون بفرح والطغات يرتقبون بخوف بين من ينتظر إزاحة ستار الظلم وبين من يخاف الإطاحة بجبروته وهكذا تصارعت الأنفس مع الأيام كلٌ ينتظر ..

وهناك شُوهد تغير في الوجود فأبليس عليه اللعنة رأى أنه حجب عن السموات السبع بعد إن كان محجوباً عن ثلاث فقط والشياطين قد رميت بالنجوم حتى ظن الناس قيام الساعة حتى قال عمرو بن أمية : انظروا هذه النجوم التي يهتدي بها ، ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف ، فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شئ ، وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حدث , والأصنام التي يعبدونها إنكبت على وجهها والملوك كلهم رأوا أسرتهم منكوسة وألسنتهم معقودة والكهنة فقدوا ما علموا وارتج في تلك الليلة إيوان كسرى ، وسقطت منه أربعة عشر شرفة ، وغاضت بحيرة ساوه ، وفاض وادي السمآوة ، وخمدت نيران فارس ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، ورأى المؤبدان في تلك الليلة في المنام إبلا صعابا تقود خيلا أعرابا ، قد قطعت دجلة ، وانسربت في بلادهم ، وانقصم طاق الملك كسرى من وسطه ، وانخرقت عليه دجلة العوراء ، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق نعم إنه نور الفصل الجديد فالضعفاء نادوا هلموا بنا لنرى فصلاً يشم من علاماته عطر الربيع والطواغيت نادوا فروا فقد قرب فصل يزيل الغبرة والجليد وإذا بغلام يسقط من بطن أمه فيتقي الأرض بيده ثم يرفع رأسه إلى السماء فينظر إليها فإذا بنور قد شع منه فبلغ عنان السماء وملئ الآفاق والأرجاء وإذا بالأم تسمع مناد من النور قائلا : إنك قد ولدت سيد الناس فسميه محمدا ، وأتي به عبد المطلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت امه ، فأخذه فوضعه في حجره ثم قال : الحمد لله الذي أعطاني ، هذا الغلام الطيب الاردان ، قد ساد في المهد على الغلمان .

ثم عوذه بأركان الكعبة ، وقال فيه أشعارا ...

فحتى الجماد إبتشر، نعم إنه ولد ربيع الوجود وعمَّ الخير في المعمورة , وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته فاجتمعوا إليه ، فقالوا : ما الذي أفزعك يا سيدنا ؟ فقال لهم : ويلكم لقد أنكرت السماء والأرض منذ الليلة ، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم عليه السلام ، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث ، فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا : ما وجدنا شيئاً ، فقال إبليس لعنه الله : أنا لهذا الأمر ، ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوظاً بالملائكة ، فذهب ليدخل فصاحوا به ، فرجع ثم صار مثل الصر وهو العصفور فدخل من قبل حرى، فقال له جبرائيل : ما ورآك لعنك الله ، فقال له : حرف أسألك عنه يا جبرائيل ، ما هذا الحديث الذي حدث منذ الليلة في الأرض ؟

فقال له : ولد محمد صلى الله عليه واله ، فقال له : هل لي فيه نصيب ؟ قال : لا ، قال : ففي أمته ؟ قال : نعم ، قال : رضيت .

فوجه الشبه بين ربيع الأيام وربيع الوجود أن في فصل الربيع يخضر النبات وفي ربيع الوجود أخضرت الإنسانية والحياة , نعم نبينا محمد صلى الله عليه وآله ربيع الوجود فلا زلنا نعيش في ظل آثار ربيعه فسلام عليه يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يبعث حيا ..

الكاتب / الشيخ ابراهيم السنجري

المرفقات