في الثالث من ذي الحجة دخول النبي(صلى الله عليه وآله)الى مكة لأداء حجة الوداع

عزم النبي ُّ (صلى الله عليه وآله) على أداء فريضة الحج ـ ولم يكن قد حج ّمن قبل ـ ّو كان ذلك بحلول شهر ذي القعدة من العام العاشر للهجرة ، وذلك ليطلع الاُمَّة على أحكام الله في فريضة الحج ّ، فتقاطرت ألوف المسلمين على المدينة وتجهّزوا للخروج مع النبي ّ (صلى الله عليه وآله)، حتي بلغ عددهم ما يقارب مائة ألف مسلم من مختلف الحواضر والبوادي والقبائل، واصطحب النبي ُّ (صلى الله عليه وآله) معه كل َّ نسائه وابنته الصدِّيقة فاطمة الزَّهراء (عليها السلام)، وإلتقى بهم الامام علي بن ابي طالب زوج فاطمة الزهراء(عليهما السلام) بهم في مكة المكرمة بعد ان ارسله النبي محمد(صلى الله عليه وآله) في مهمة الى اليمن.

وفي منطقة ذي الحُليفة أحرم النبي ُّ (صلى الله عليه وآله) فلبس قطعتين من قماش أبيض ، ولبّي عند الإحرام قائلاً: «لبيك اللّهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيّك ، إن َّ الحمد والنعمة لك والملك ، لبيك لا شريك لك لبيك ».

وفي الرابع من شهر ذي الحجَّة الحرام شارف النبي ّ(صلى الله عليه وآله) مكّة وقطع التلبية ، ثُم َّ دخل المسجد الحرام وهو يكثرالثناء على الله ويحمده ويشكره ، فاستلم الحجر وطاف سبعاًوصلّي ركعتين عند مقام اءبراهيم (عليه السلام)، ثم ّ سعي بين الصفاوالمروة والتفت للحجيج قائلاً :

«من لم يَسُق منكم هدياً فليحل ّ وليجعلها عُمرة ،ومن ساق منكم هدياً فليقم على إحرامه ».

و عندها جاء الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام) من اليمن و قد ساق معه اربع و ثلاثين هديا و سر النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بلقائه.

وفي اليوم التاسع من ذي الحجَّة توجَّه النبي ُّ (صلى الله عليه وآله) مع جموع المسلمين نحو عرفات .

ومكث رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عرفات حتي غروب اليوم التاسع ، ومع الظلام ركب ناقته وأفاض َ إلى المزدلفة ، وأمضى فيها شطراً من الليل . ولم يزل واقفاً من الفجر إلى طلوع الشمس في المشعر الحرام . ثم ّ توجّه في اليوم العاشر إلى«مني » وأدّى مناسكها من رمي الجمرات والنحر والحلق ثم ّتوجّه نحو مكَّة لاداء بقية مناسك الحَج ّ.

تنصيب الخليفة و أخذ البيعة قبل مفترق الطرق:

و كانت هذه الحجة الاخيرة لرسول الله (صلى الله عليه و آله) ولذلك سمّيت بحجة الوداع و ايضا لما اوحى الرسول (صلى الله عليه وآله) من قرب وفاته. ومن الضروري أن يبيِّن فيها النبيُّ كل شيء يتعلق بمصالح المسلمين وشؤونهم السياسية والدينية . وإنّ أهم هذه الشؤون هي السلطة . فإذا توفي النبيّ (صلى الله عليه وآله) اختلفت العرب الذين لم يتسرّب الإسلام إلى قلوبهم كما هو في واقعه ، وتنازعت أمرها وذهب الدين ضحية للإختلاف .

ولقد أنبأه الوحي بأنَّ السلطة تكون من بعده لعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، أوّل من آمن بالله وبرسوله (صلى الله عليه وآله) ، وأشدَّ من أَبلى في سبيله ، وأقضى المسلمين وأفضلهم . ولقد ذكر النبيُّ (صلى الله عليه وآله) ذلك للمسلمين مراراً إِلاّ أن خوف النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان شديداً لمستقبل الأمة ، حيث رأى في المسلمين بعض الذين يهدفون للسيطرة وقد التفوا حول النبيِّ لها فقط .. فلما كان النبيُّ (صلى الله عليه وآله) بمنزل " كراع الغميم " من أراضي عسفان نزلت عليه الآية المباركة تقول : { فَلَعَلَّكَ تَارِكُ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقُ بِهِ صَدْرُك } (هود/12) .

ولمّا بلغ غدير خم نزلت عليه هذه الآية :

{ يَآ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ اُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ الله لاَيَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } (المائدة/67) .

واطمأن النبي بنصرة الله في خلافة علي (عليه السلام) فعزم على الأمر وأمر المسلمين بأن ينزلوا في ذلك المكان وبأن يجتمعوا . فلما اجتمعوا قام فيهم خطيباً وأعلن خلافة علي ( عليه السلام) قائلاً ، بعد خطبة كريمة : " من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه . اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه واحبَّ من أحبَّه ، وأبغضْ من أبغضه ، وانصر من نصره ، وأعزْ من أعانه وأخذلْ من خذله ، وأَدِرِ الحقَّ معه حيث دار " . ثمَّ أمر المسلمين بالبيعة له ، والسلام عليه بإمرة المؤمنين .. ولما تمَّ أخذُ البيعة جاءت الآية الأخيرة التي أعلنت إكمال الدين وتمامه : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } (المائدة/3).

إعداد / قيس العامري

المرفقات