النبيّ الأكرم .. أجلّ وأعظم

لا يخفى على المتتبع ان التأريخ الاسلامي استهلّ اولى صفحاته بقاصمة الظهر (سقيفة بني ساعدة) , التي وقعت واقعتها بُعيد رحيل النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) الى الرفيق الاعلى , حيث اجمع بعض الصحابة امرهم بينهم , ان لا بد من خليفة للمسلمين بعد رسول الله(صلى الله عليه واله) , فأشاعوا شائعة تقول: " ان النبي(صلى الله عليه واله), ترك امته هملا ومضى الى ربه دون ان يستخلف", مستلّة من مقولة عائشة حين قالت :" ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ديناراً ولا بعيراً ولا شاة ولا أوصى بشيء ". وقالت ايضا :"توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وليس عنده احد غيري " . فانتشرت انتشار النار في الهشيم وراجت فتلقفها من تلقفها من ضعاف النفوس والعقول وغير المتثبتين من الحقائق حتى تمهدت في طباعهم فأصبحت قناعة بعد ان مضت اشاعة , فعمت بذلك البلوى وكثرت المحن .. فأضحى نبي الاسلام متهما بتركه امته بلا راعي -على حسب زعمهم - الامر الذي ادى الى الفرقة والنزاع والخلاف والتقاتل ..  وما ذاك الا بهتان عظيم على رسول الله(صلى الله عليه واله) , فكيف يسهل على المسلم الموحد القبول بأن النبي (صلى الله عليه وآله) مات بين السحر والنحر ولم يوص بشئ حتى ادى ذلك الى ما ادى؟ !

وكيف سكنت النفوس إلى مثل هذا القول ، الذي يصور النبي(صلى الله عليه وآله) على انه لا يلوي من حال المسلمين في غيابه على شئ ؟ ! .. بينما زوجته عائشة ادركت ما لم يدركه , عائشة تبعث برسالة شفوية الى عمر بن الخطاب عندما طعن وشارف على الموت , تقول فيها الاتي : " لا تدع امة محمد بلا راع , استخلف عليهم , ولا تدعهم بعدك هملا , فاني اخشى عليهم الفتنة " , فهي تشفق على الامة , وتخشى عليهم الفتنة !! يا لله العجب , ورسول الله ماذا كان ؟

أما كان مشفقا على امته ؟!

 أما كان يخشى عليها الفتنة ؟!

فهل خفي كل هذا عن رسول الله (صلى الله عليه واله) ؟!

أوَ لم يكن (صلى الله عليه واله) هو الرحيم بأمته ، الرؤوف بالمؤمنين ، الذي يأسى لهم ويحرص على هداهم ، كما قال عنه ربه تبارك وتعالى : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) ..  فمن وحي الجهل وسبات العقل , القول بان رسول الله(صلى الله عليه واله) ترك امته هملاً من غير راعٍ .

وليست عائشة فحسب كانت حريصة على الاسلام , فهذا ابن عمر بن الخطاب ايضا كان حريصا عليه , فاستنكر على ابيه عدم الاستخلاف حيث روي انه قال:" دخلت على أبي فقلت: إني سمعت الناس يقولون مقالة فأبيت إلا أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف وأنه لو كان لك راعي إبل - أو راعي غنم - ثم جاءك وتركها لرأيت أن قد ضيع، فرعاية الناس أشد ..." . ترى هل ادرك ابن عمر امرا لم يدركه رسول الله(صلى الله عليه واله) ؟!

ولنا ان نسأل ذوي الاهواء وشنشنات الآراء : من الاحرص على الاسلام , رسول الله ام عائشة وابن عمر ؟ جواب المسلم الموحد : رسول الله (صلى الله عليه واله) هو الأحرص بلا منازع , اذن فلا بد وان يكون قد استخلف , وبطل بذلك ما ادعيتم من عدم استخلافه.

وان كان رسول الله (صلى الله عليه واله) قد ترك الامة من دون ان يستخلف احدا عليها -كما زعموا- فأمامهم احد امرين , اما اتباع سنة رسول الله (صلى الله عليه واله) في الترك , لان فعله وتركه سنة ؟ , واما ان يخالفوا سنة رسول الله(صلى الله عليه واله) , وهو ما هم عليه .

وسؤال آخر يطرح اشد وقعا من سابقه وهو : هل ترك النبي(صلى الله عليه واله) للاستخلاف هدى ام ضلالة ؟ واذا كان هدى فمن ايها يكون فعل الصحابة حين نصبوا ابا بكر خليفة لهم ؟ وان كان فعلهم هدى , فإيهما اهدى , رسول الله(صلى الله عليه واله) ام الصحابة ؟

ومن جرّد ذاته عن العصبية التي اصدت سمعه , واعمت بصره وبصيرته, سيجد ان الحق هو ما عليه الشيعة الامامية, واليك ما قاله احد اعلام اهل السنة, الدكتور أحمد صبحي: "هذه أدلة متكلمي الشيعة الاثني عشرية في نقد مبدأ الاختيار واثبات وجود النص على الإمامة، فما كان موقف أهل السنة أزاءها... أما ازاء الدفاع عن مبدأ الاختيار فلم يكن موقفهم متماسكا موحدا، ويرجع ذلك الى اختلاف آرائهم في كيفية الاختيار... كل ذلك لا نجد عند متكلمي أهل السنة موقفا مجمعا عليه، الأمر الذي يسر على الشيعة نقد دعوى الاختيار من أساسها واثبات تهافتها فضلا عن عدم انطباقها في الواقع الا حين اختير أبو بكر... فلقد كان في واقع التاريخ الاسلامي ما التمس فيه الشيعة نقط الضعف لتركيز هجومهم على اسلوب اختيار الخلفاء..."  .

ثم يستطرد في القول: "ولاشك أن أدلة الشيعة جديرة بالاعتبار، ولاشك أيضا أن انتقاداتهم المتتالية لمبدأ الاختيار لها ما يبررها... كل ذلك مما يجعل للأدلة الشيعية وانتقاداتهم لمبدأ الاختيار بعض الاعتبار" .

وقد عرض وجهة نظر الشيعة بوجوب صدور استخلاف من النبي في ضوء وقائع التاريخ بقوله :

" الحقيقة الأولى التي يجب التسليم بها أن النبي كان يعلم أن أمته ستتعرض إذا لم ينص هو على من يخلفه إلى الفتن والاضطراب، أما أنه كان يعلم ذلك فان كل الفرق الاسلامية قد أوردت هذا الحديث: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة...) فهل كان رسول الله يعلم أن الدهر يدخر لأمته صفحة مملوءة بالحوادث والفتن، إذ تختلف أمته من بعده ويتقاتل افرادها وتراق الدماء وتزهق النفوس ثم يسكت النبي عن ذلك دون أن يقدم على مشورة تجنب أمته شر العثار؟ ولنفرض أن الحديث والتاريخ لم يسجلا لنا حديثا واحدا يقضي فيه النبي بمن يخلفه في أمر أمته، فهل يصح أن نصدقهما بهذا الاهمال ونصدقهما أن النبي ترك أمته في فوضوية لاحد لها.

وهل كان دينه خاصا بعصره ليترك أمته من بعده هملا من غير راع يسوسهم او طريقة يتبعونها في أمور دينهم ودنياهم، لقد ورد أن عائشة قالت لعمر في أواخر أيام خلافته: (لاتدع أمة محمد بلا راع، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا فاني أخشى عليهم الفتنة) فهل لم يدرك النبي ما أدركته عائشة أن المسلمين يتعرضون للفتنة نتيجة عدم الاستخلاف أم ليس بين المسلمين وصحابة الرسول من سأله هذا السؤال الذي سألته عائشة لعمر؟

وإذا لم يكن محمد نبيا مرسلا نزل دينه للناس كافة في كل زمان، وإذا لم يكن عالما عن وحي فليكن على الأقل سياسيا كسائر الساسة الذين لا يخفى عليهم بعض أمور رعاياهم فلا يتركونهم تحت رحمة هؤلاء واختلاف الآراء.

على أنه قد عرف عنه أنه لم يترك المدينة إذا خرج لحرب أو غزوة من غير أمير يخلفه عليها، فكيف نصدق عنه أنه أهمل أمر أمته بعده إلى آخر الدهر دون قاعدة يرجع إليها المسلمون أو خلف بعده؟ فإن قيل انه وكل الأمر إلى اتفاق أمته واختيارهم، فمعناه أنه أوقع أمته في منازعات دائمة تقضي إلى إزهاق النفوس وإضعاف القوى وذهاب الايمان، إذ كيف يتفق أهل البلد الواحد على حكم واحد فضلا عن أمة كبيرة " .

هذا ما ذكره الدكتور احمد صبحي , وهو جدير بالاهتمام .. واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد سيد الانبياء والمرسلين وعلى اهل بيته الطبين الطاهرين .

الكاتب / السيد مهدي الجابري

المرفقات